العبارة مجاز، شبه اتساع القلب للحقائق بالشرع الحسي، وكل تعبيرات القرآن عن المعاني النفسية بالألف الدالة على المحسوسات، من قبيل المجاز، يستعان به على بيان الأمور المعنوية، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - من عبد الله بن مسعود قال: هل ينشرح الصدر؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نعم يدخل القلب نور "، فقال ابن مسعود: فهل لذلك من علامة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت "(١).
وإن هذا يدل على أن شرح القلب، يكون بتوسعة المدارك وفهم قيمة هذه الحياة الفانية وإدراك أنها قنطرة للحياة الباقية، ومن غمَّ عليه ذلك فهو من الفريق الثاني الذي قال الله تعالى فيه:
(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)، ليس الإضلال من غير عمل من جانب من أراد الله تعالى إضلاله، إنما يكون بعمل من جانبه قد كتبه الله تعالى عليه، بأن تهوى نفسه في طريق الضلالة بالميل إليها، والرغبة فيها، والحرص على طريق يدفعه إليه الغرور ونسيان الآخرة، وأن يعتقد أنه لَا حياة إلا الدنيا وما فيها.
وإنه إذا سار على هذا النحو أراد الله تعالى له الضلال، والكل بما كتبه الله تعالى عليه، وإنه إذا أراد الله ضلاله على هذا النحو الذي بيناه، جعل صدره ضيقا حرجا، أي أن قلبه لَا يتسع لغير ما ختم عليه، كما قال تعالى:(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ). فالله تعالى يضيِّق صدره، وفي هذا أيضا مجاز، لأنه تشبيه للأمر المعنوي، وهو الإعراض عن الحق، وابتعاده عنه بالضيق الحسي، وإسناد الضيق إلى الصدر من ترشيح الاستعارة وتقويتها.
(١) مصنف ابن أبي شيبة (٣٠١٠٤)، والحاكم قى المستدرك (٧٩٣٥)،) ج ٤، ٣٤٦.