للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا غير مدركين عاقبة أقوالهم ظانين أنهم في لهو كلهو الدنيا، أو لعب كلعبها، أو قائلين بلسان الواقع الذي هم فيه، فهم قالوا بلسان الحال، لَا بلسان المقال، وقد نطقت أيديهم وجوارحهم بما كانوا يفعلون، (رَبَّنَا) شاعرين بمعاني الربوبية الكاملة التي لم يشعروا بها في الدنيا، (اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)، أي انتفع بعضنا ببعض انتفاع متعة وبهجة، استمتعنا بإِغرائهم، فاجترفنا من اللذات والشهوات، والأحقاد، والعداوات، ووجدوا هم متعة في إغرائنا، وإغوائنا، وتلهينا، وتعابثنا، وكأنَّهم يجدون متعة في متعتنا، ولذة في لذاتنا، كانت هذه حالهم، ونريد أن نذكر إشارة بيانية في التعبير بقوله: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) فإن التعبير بالحشر، يشير إلى أمرين أولهما - أنه يجمعهم غير مختارين ولا مريدين، وثانيهما - أنه يشير إلى كثرتهم، وأن الكثرة الكاثرة لم تمنعه تعالى من جمعهم وحسابهم، ومؤاخذتهم على ما فعلوا، ولقد قال تعالى في جزائهم: (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ).

قال جل جلاله بلسان الفعل والمقال: (النَّارُ مَثْوَاكُمْ) أي محل إقامتكم الدائم الخالد الذي لَا ينتهي، فله ابتداء وليس له انتهاء، و (المثوى) اسم مكان من ثوى يثوى بمعنى أقام إقامة دائمة لَا يخرج منها مختارا، فالغالب فيها الإقامة الاختيارية، وقد عبر بها هنا تهكما عليهم، كأنهم اختاروا بأفعالهم؛ إذ قد اختاروا أسبابها، ومن اختار بابا فقد اختار الدخول فيه، وإن التعبير بـ (خالدين) يدل على البقاء الدائم بمشيئة الله تعالى الخالدة، وبإنذاره بذلك في عدة من آياته.

ولكنه قال سبحانه وتعالى مستثنيا: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) فهل هذا الاستثناء يدل على أن النار لها نهاية، تنتهي بمشيئة الله تعالى وأنه لَا خلود فيها؛ وكذا قال بعض العلماء ونسب هذا القول إلى ابن تيمية، وقرره ابن القيم في كتابه حادي الأرواح.

<<  <  ج: ص:  >  >>