للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحن نرى أنه قول يناقض الآيات الكثيرة الواردة في خلود الجنة وخلود النار، وأن الحياة الآخرة ليست إلى فناء، وإنما هي دار البقاء، ولا دار بعدها ينتقل إليها الناس، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته التي أنذر فيها عشيرته الأقربين، وصدع فيها بأمر ربه، قال: " إنها للجنة أبدا، أو النار أبدا، وإني لنذير لكم بين يدي عذاب شديد " (١)، وإن الله تعالى يقرر الخلود، ولا يترك أجسامهم تبلى من العذاب إذ يقول تعالت كلماته: (. . . كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ليَذُوقُوا الْعَذَابَ. . .).

وقوله تعالى: (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) لَا يدل على أنه عذاب غير أبدي؛ لأنه صرح في النص بأنهم خالدون فيها، ولأنه صرح سبحانه وتعالى بكلمة أبدا في كثير من آياته، فيقول سبحانه: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا. . .)، ولأن كلمة (إِلَّا مَا شَاءَ) تدل أن الأمر إلى مشيئته عذابا وغفرانا، وأنه شاء العذاب، وأنه: توعد بالتأبيد، وهو لَا يخلف الميعاد، وذكر المشيئة هنا للدلالة على أنه شاء ذلك، وأنه يمكن أن يشاء غير ذلك، ولقد قال الزمخشري إمام البيان في ذلك: " يخلدون فيها في عذاب النار الأبد كله إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير، فقد روي أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض، فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم، أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بوتره، ولم يزل يحرق عليه أنيابه، وقد طلب أن ينفس من خناقه، أهلكني الله إن نفست عنك إلا إذا شئت، وقد علم الله أنه لَا يريد إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف، والتشديد فيكون قوله: إلا إذا شئت من أشد الوعيد، مع تهكمه بالموعد لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع ".

هذا تخريج حسن في الثاني لَا في الأول، لأن الأول يفيد أن ثمة عقابا بالبرد الشديد.


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>