للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) فالتعبير يشير إلى أن من الجن رسلا؛ لأن الرسل من الفريقين، ولأن قوله تعالى (منكم) قريب من قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكمْ رَسولٌ منْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِين رَءُوفٌ رحِيم).

وقد أجيب عن ذلك بأن هذا لَا يقتضي أن يكون من كل فريق رسول، بل إن الظاهر أن يكون الرسول من جماعة الجن والإنس معا، وبذلك يسوغ أن يكون من أحدهما دون الآخرين ما دام ينطبق عليه أنه من جماعة الإنس والجن فهما جماعة المكلفين، وضربوا لذلك مثلا قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢).

فذكر سبحانه أنه يخرج من البحرين اللؤلؤ والمرجان مع أنه لا يخرج من الماء العذب اللؤلؤ والمرجان بل يخرجان فقط من الماء الملح، ولكن عبر عنهما بقوله تعالى (منهما) - لأنه ذكر البحرين، وهو يخرج منهما، وإن كان لا يخرج إلا من أحدهما.

وإن أولئك الرسل، يقصون آيات الله تعالى الدالة على الوحدانية، وأنه قادر على كل شيء؛ ولذا قال تعالى:

(يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا). (يقصون) من القصص، أو قص الأثر، والآية الكريمة تحتملهما، والمعنى على الأول، يذكرون لكم آياتي التي جاءت على أيدي الأنبياء السابقين، فكل رسول يتقدم بالآيات التي أجراها الله تعالى على يديه، ويذكر آيات من سبقوه من الرسل السابقين له، فمحمد - صلى الله عليه وسلم - تقدم بالمعجزة الكبرى وهي القرآن، وكان معه آيات أخرى من خوارق العادات، وإن لم يُتحدَّ بها، وذكر الآيات التي جرت على يد عيسى - عليه السلام - من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى إلى آخر ما جاء في القرآن الكريم من آياته، وذكر في القرآن معجزات موسى - عليه السلام - من العصا، وفلق البحر، وانفجار الماء من الأحجار، وغير ذلك من المعجزات الباهرات الدالة على رسالة الله تعالى، وعلى قدرته القاهرة، وآياته الباهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>