للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالأنبياء قصوا آيات الأنبياء، قصوها في مجموعهم، لَا في آحادهم، وبذلك كانت الآيات بين يدي الجن والإنس معلومة ظاهرة بينة تدعوهم إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وتنذرهم بلقاء ربهم في ذلك اليوم فلم يتعظوا، ولم يعتبروا، وكان ذلك اللقاء الذي وراءه الحساب والعقاب.

هذا إذا خرَّجنا كلمة (يَقُصونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) على معنى القصص، وإذا خرجناها على معنى قَصِّ الأثر، أي تتبع الأثر واستدل، يكون المعنى في نظرنا أن الرسل عليهم السلام يتتبعون آيات الله في الكون، من سماء ذات أبراج، وأرض ذات جبال، وماء ينزل من السماء إلى الأرض فينبت كل شيء، ويكون منه كل شيء حي، ورياح تجري بإذن الله، وسحاب مسخر بين السماء والأرض، وغير ذلك من آيات الله، قَصَّ رسل الله تلك الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى أولا، وعلى قدرته القاهرة التي تقدر على الإعادة كما قدرت على الإنشاء، وكما قال تعالى: (كمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). وإنه من بعد ذلك كان الإنذار باللقاء، والإنذار باللقاء ليس بذات اللقاء، ولكن بما وراءه من حساب وعقاب، ودخول جهنم والعياذ بالله من نارها وشرها.

هذا ما نراه في معنى القص، ونرى أن الآية تحتمل المعنيين، ولا مانع من الجمع بينهما بأن يكون المعنى ذكر قصص آيات النبيين التي جرت على أيديهم، وتتبع الأنبياء لآيات الله في الكون الدالة على وحدانيته وكمال قدرته، هذا ما يقوله الله تعالى للجن والإنس في ذلك المشهد الرهيب، فبماذا يجيبون؟ (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا).

ومعنى (شهدنا) أقررنا، فإن الشهادة تكون بمعنى الإقرار، وبمعنى الإثبات، وبمعنى الحكم، وهي هنا بمعنى الإقرار المبني على المعاينة والرؤية، فهو إقرار مؤكد بالمعاينة والمشاهدة لَا بمجرد الإخبار عن أمر مغيب، وأكدوا الإقرار بأنه على أنفسهم، وهذا الإقرار موضوعه أن الرسل قد أتوا إليهم، وأشارت الآية إلى أنهم شهدوا على أنفسهم بمجيء الأنبياء ولم يؤمنوا بهم، ولم يصدقوهم، وأشار

<<  <  ج: ص:  >  >>