للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قَدْ ضَلُّوا وَمَا كانوا مُهْتَدِينَ).

حكم الله تعالى عليهم حكمين وأكدهما: أولهما - الحكم عليهم بأنهم وقعوا في الضلال والبعد عن الحقيقة، وقد أكد الضلال بقد، لأن قد تكون في القرآن للتحقيق، سواء أدخلت على الماضي أم على المضارع فلا يكاد في القرآن استعمالها إلا للتحقيق، فلا تكون للتقريب، ولا تكون للتكثير أو التقليل.

فالله قد أكد ضلالهم، وأي ضلال أشد من أن يقتلوا أولادهم للإملاق، وفى الوقت نفسه يمنعون ما رزقهم فيقعون في الإملاق.

الحكم الثاني أنه سبحانه حكم بأنهم ما كانوا مهتدين، فبين في الحكم ضلالهم وبين في الحكم أنه ليس من شأنهم أن يهتدوا، ولذلك نفي وصف الاعتداء، وأكد ذلك النفي بالجملة الاسمية، وبنفي الوصف عنهم.

ونقول هنا إننا بينا أن الخسران في الدنيا والآخرة، وهو في الدنيا واضح بين، وفي الآخرة مؤكد، وقد رأينا بعض المفسرين يقولون إن الخسارة هي في الآخرة لَا في الدنيا، واستدل بقوله تعالى في سورة يوِنس: (قلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْترُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلحُونَ مَتَاعٌ فِى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كانُوا يَكْفُرُونَ).

ولكنا لَا نراها تدل على أن الخسارة في الآخرة فقط، وفوق ذلك إن الآية السامية التي نتكلم في معناها السامي، قد شملت قتل الأولاد وتحريم ما رزق الله تعالى افتراء، أما هذه الآية التي ساقها المفسر الفاضل فإنها في اتخاذ الولد ونسبته إلى الله بدليل الآية التي قبلها، إذ يقول الله تعالى: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ... )، إلى آخر الآية الكريمة. .

فكان بمقتضى النسق البياني للقرآن أن يكون العقاب الأخروي. أما في الآية التي نتكلم في معناها فواضح أنهم خسروا في الدنيا بقتل أولادهم سفها بغير علم، وتحريم ما أحل الله تعالى وافتراءً على الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>