للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنه من أقبح ما يتصور الإنسان من سفه الأحلام قتل أولادهم، وخصوصا وأد البنات، إنهم خسروا بذلك خسرانا مبينا.

وقد جاء في تفسير القرطبي: روى أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان لَا يزال مغتما بين يدي رسول لله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لك تكون محزونا، فقال يا رسول الله: إني أذنبت ذنبا في الجاهلية، فأخاف ألا يغفره الله، وإن أسلمت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني عن ذنبك، قال: يا رسول الله إني كنت من - الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إليَّ امرأتي أن أتركها، فتركتها، حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء، فخطبوها، فدخلتني الحمية، ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا في زيارة أقربائي، فابعثيها معي، فسرَّت بذلك، وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت عليَّ المواثيق بألا أخونها، فذهبت إلى رأس بئر، فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمتني، وجعلت تبكي وتقول: يا أبت أيْش تريد أن تفعل بي، فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت عليَّ الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لَا تضيع أمانة أمي فجعلت مرة أنظر في البئر، ومرة أنظر إليها أرحمها، حتى غلبني الشيطان، فأخذتها وألقيتها في البئر معكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبت قتلتني، فكنت هناك حتى انقطع صوتها، فرجعت، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه وقال: " إن الله لرءوف، لو أمرت أن أعاقب أحدا بما كان في الجاهلية لعاقبتك " (١). هذه قصة مثيرة، ولا بد أنها كانت تقع من الجاهليين، سواء أصحت هذه الرواية بالذات أم لم تصح، فكيف لَا تكون الخسارة في الدنيا بهذا الطيش الجاهل، رحم الله أمثال هذه الفتيات.

* * *


(١) ذكره القرطبي في التفسير: ج ٤، ص ٢٥٣٣ - طبعة الشعب. ورواه الدارمي في سننه: المقدمة - ما كان عليه الناس قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>