للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن الآية الكريمة تدل على هذا وتدعو إليه، وتحث عليه، وهذا الحق كان المؤمنون يقومون به ويؤدونه من غير أن يجمعه حاكم، ولا يتولاه ولي للصدقات؛ لأنه لم تكن الدولة الإسلامية هي المهيمنة في مكة، فلما كانت الهجرة في السنة الثانية وجد نظام جمع الزكاة، ونظام صرفها، وتولت الدولة جمعها وصرفها.

ولذا نقول إن الآية مكية، ولا نسخ فيها بعموم ولا خصوص، وحكمها داخل في فرضية الزكاة الذي ثبت في المدينة تنظيمه، ولذا نرجح أن الأمر هنا للوجوب.

وقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) أي يوم صرمه وقطعه، وسماه الله تعالى حق الزرع فقال (حقه) أي الحق الواجب فيه، فالصدقة حق المال، وواجب فيه أي أن المال ينتفع منها، فهي تزكيه وتنميه وتطهره، وهي أيضا حق السائل والمحروم، فهي حق الفقير لتسد حاجته، وحق المال لتطهره وتنميه، ويكون طيبا.

(وَلا تُسْرِفُوا إِنَّه لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

هذا عطف على قوله تعالى: (كلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) فالعطف على إباحة أكل الثمار، فهو إذ أباح أكل الثمار وأمر بإعطاء حق المال يوم قطعه، لقد نهى عن الإسراف، والإسراف معناه الإنفاق في غير موضعه أو الأكل من غير حاجة، كقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تسْرِفوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين).

وإن النهي عن الإسراف ظاهر في أنه منع من الإسراف في الأكل في الثمر، إذا أثمر، بأن يأكلوا فوق طاقتهم، أو أن يبيعوه وينفقوا ثمنه إسرافا وبدارا، أو أن يوزعوه على من يستحق ومن لَا يستحق، أو إعطاء الكثير لمن يستحق القليل، وبعض المفسرين يعمم النهي عن الإسراف، فيمنعه على من يأكل الثمار إذا أثمرت، وعلى إيتائه حقه يوم حصاده، ومن الإسراف في ذلك أن يدع قرابته فقراء ويعطي غيرهم، فابدأ بنفسك ثم بمن تعول، وقالوا: إن النهي عن الإسراف

<<  <  ج: ص:  >  >>