الإباحة، إنما هناك نفي لتحريم ما حرموا، ويكون مؤدى التخريج هكذا: قل لا أجد محرما عليَّ في ما تحرمون على طاعم يطعمه، فهذا النفي رد عليهم، لكن أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو أهل لغير الله فهو حرام، وعلى ذلك لا يكون قصر فيه نفي وإثبات للإباحة، ولكن فيه تحريم فقط، تحريم بالرد، وتحريم بالاستدراك. هذا كلام قاله الزمخشري.
ونقول لإمام البلاغة: إنه تخريج لَا يستقيم مع النسق البياني الذي يليق بكتاب الله العظيم.
والتخريج الثالث - أن الآية لم تدل على الإباحة المطلقة، إنما أخذت الإباحة بالمفهوم، ولا يؤخذ بالمفهوم حيث يكون نص، وهناك نصوص تمنع.
هذا التحريم مؤكد في حال الاختيار، لَا في حال الاضطرار، فمن كان في حال ضرورة لَا يجد ما يطعمه، وقد تعرض للهلاك جوعا وهو غير باغ ولا معتد، فإن الله تعالى يغفر له أكله، وقد قلنا إن حد الضرورة قد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - إجابة لمن سأله - إذ قال له:" أن يجيء الصبوح والغبوق ولا تجد ما تأكله "(١).
(والباغي) له تخريجان:
أولهما - أن الباغي، هو من خرج باغيا على الحاكم العادل ظالما له، أو من خرج لمعصية، فإنه لَا ينتفع بهذه الرخصة، وذلك يكون سيرا على قاعدة: إن من ارتكب معصية لَا تكون المعصية سببا لنعمة الرخصة، كمن يرتكب جريمة وهو سكران بمحرم، فإنه لَا يعفى من الجريمة بسبب السكر، وذلك مبدأ مقرر عند بعض الفقهاء وخصوصا فقهاء العراق.
والثاني - أن الباغي الطالب لهذا المحرم المشتهى له، كأن يكون مضطرا فلا يجد إلا خنزيرا، يشتهيه ويأكله باغيا له طالبا.