للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (العادي) هو له هذان التفسيران أيضا، فخرجه بعض الناس على أنه الظالم بمعصية أوقعته في هذه الضرورة فإنه عاص لَا يستمتع بنعمة الرخصة.

والثاني - أن العادي أي المتجاوز لحد الضرورة.

وأميل إلى أن الباغي المشتهى الطالب للميتة أو الخنزير، وأن العادي هو المتجاوز لحد الضرورة، فإن رحمة الله تعالى في الدنيا، تتسع للأشرار كما تتسع للأخيار والحساب عند الله، وعسى أن يغفر الله لهم، وننبه هنا إلى أمرين:

أحدهما - معنوي، وهو أن هذه الحرمات ما حرمت إلا لأنها خبائث، والله حرم الخبائث، وإن فيها إفسادا للجسم الإنساني وإضرارا به، وإن الضرورة وشدة الجوع قد تذهب بأوضار الأخباث التي في هذه المحرمات، وإن ضررها يقل بالنسبة للجائع جوعا شديدا يؤدي إلى الهلاك، وإن كان ثمة ضرر من بعد، فإنه أخف مما يترتب على الامتناع، ولذلك كانت الرخصة مقيدة بالا يتجاوز حد الضرورة؛ لأنه إن تجاوزه غلب الضرر، واشتد أثر الجراثيم المفسدة للجسم التي تحتوي عليها هذه المحرمات.

وثانيهما - وهو بياني ومعنوي أيضا، وهو قوله تعالى: (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أثر لجواب الشرط المحذوف أو سبب له، فإن المقدر هكذا، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، كما ذكر في آيات أخر، أما هنا فلم يذكر، ولكن ذكر سببه، وهو فإن ربك غفور رحيم فالسبب أن الشارع الحكيم هو ربكم الذي خلقكم ورئكم، وقام على أمر حياتكم، وأنه غفور يغفر الإثم ويستره، وأنه رحيم لا يرهقكم وإن هذا يدل على رفع الإثم سببا بسببه.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>