للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن هذا الكلام سائر مع سيأتي القول في تحريم ما أحل الله من رزق فجعلوا منه حراما وحلالا، فقد بين الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة أنهم لا يستيقنون بشيء إن يظنون إلا ظنا، وأنهم يخرصون أو يكذبون، ولذلك دعاهم إلى أن يحضروا أماثلهم ليشهدوا أن الله تعالى حرم هذا، وإنهم حينئذ يرفضون، وذلك لأن أماثل العرب لَا يشهدون كاذبين، وإن كانوا كافرين، وإنا لنذكر أن أبا سفيان - زعيم الشرك قبل الفتح المبارك لمكة - عندما سأله هرقل أجاب إجابة صريحة صادقة وهو متململ، وقال: لولا أني أخشى أن تحفظ عني كذبة في العرب لكذبت. فما كان الأماثل منهم يسارعون إلى الكذب أو يرضونه. طلب الله أن يحضروا شهداء ليشهدوا أن الله حرم هذا، وإنهم لَا يشهدون.

ولكن حال تكذيبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -، واتباعهم أهواءهم، وسيطرة الأوهام عليهم قد تغلب عليهم نزعة الصدق، ولذا كان أمر الله تعالى الذي أمره بدعوتهم بأنهم إن شهدوا بالباطل، وليس بمستحيل على من أشرك فقد تدفعه لجاجة الكفر إلى أن يطمس معالم الحق فيكذب، إن شهدوا بغير الحق، (فَلا تَشْهَدْ مَعَهمْ) أي فلا تصدقهم؛ لأن الهوى قد يغلبهم على سجيتهم، ومن يشرك لَا يؤمن كذبه، ولو كان من أهل الصدق، ولذا قال تعالى: (فَإِن شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فإن غلب عليهم فشهدوا بالباطل كما ذكر، فأنكر عليهم شهادتهم، ولا تشهد معهم، ولا تسايرهم، وهذا معنى قوله تعالى: (فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فلا تسايرهم في كذبهم الذي ينبعث من الهوى، ولذا قال تعالى من بعد.

(وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).

نهى الله تعالى نبيه الكريم، ونهيه نهي لكل الذين اتبعوه، ويتبعونه إلى يوم الدين، نهاه عن أن يتبع أهواءهم، لأن الهوى ذاته يضل، ولا يهدي، ومن جعل إلهه هواه، فقد ضل سواء السبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>