للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قال تعالى في بيان أن الفقر أو الإملاق لَا يبرر؛ لأنهم لَا يرزقونهم، ولكن يرزقهم الله، ولذلك قال تعالى: (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي نحن نرزقكم معهم، كما رزقناكم وحدكم: (ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا. . .).

وقد فهم بعض العلماء من هذه الآية أن منع النسل لَا يجوز بعزل أو نحوه، والعزل أن يلقي النطفة خارج الرحم، ولكن رويت آثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى العزل، ولم يأمر به ولم ينه عنه (١)، ولكن جاء آخر الحديث في هذا الباب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " العزل هو الوأد الخفي " (٢).

وروي عن الصحابة أنه رأى أن العزل ليس به من بأس، ولكنه خلاف الأولى، ورأى آخر منعه، والفقهاء بعد ذلك اختلفوا فيه، فمنهم من قال إنه مكروه، ومنهم من قال إنه حرام كالحنابلة وأهل الظاهر، والغزالي قال إنه لَا يجوز إلا إذا كان ثمة عذر إليه، وفتح باب الأعذار على مصراعيه حتى لخشيت المرأة على جمالها، فإن زوجها يعزل عنها، ولكنه منع منعا مطلقا العزل أو حد النسل خوف الإملاق أو للإملاق، فإن ذلك يكون مصادمة للنص، ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، والقول الفصل في الحد من النسل المترتب على العزل ونحوه، أن جمهور الفقهاء لم يرضه، حتى إن الغزالي الذي فتح باب المبررات له، قال: إنه لا ينبغي.

ومهما يكن فإنه من المؤكد أن الذين قالوا ليس به من بأس قرروا أن ذلك بالجزء لَا بالكل، أي أنه يكون لمن يريد ذلك أن يفعل، إذا كان له مبرر، على التوسعة في المبرر عند الغزالي. ولكنه حرام بالكل، أي حرام أن يدعو أحد إليه،


(١) من ذلك ما جاء في باب العزل من صحيح البخاري ومسلم، ففي صحيح مسلم: النكاح - حكم العزل (١٤٣٨) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؟ - وَلَمْ يَقُلْ: فَلَا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ - فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا ".
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>