للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد قال ابن عباس فيما روي عنه كلمة جامعة في آفات الجماعات ونتائجها: (ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنى في قوم إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله تعالى عليهم العدو (١).

هذا وإن العدل في الأمة ميزانها، ولذا قال تعالى:

(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى).

أمر الله تعالى بالعدل في القول، وأن لَا نقول إلا عدلا، ولذا قال: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) والعدل في القول تحري الحق فيه، فلا ينطق بأمر لَا يكون حقا.

والعدل في القول يشمل الحكم بين المتخاصمين، كما قال تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ). وتشمل الفصل في الخلافات بين الناس، فلا يقول إلا الحق، لأن الحق يحسم النزاع ويقطع دابر الخلاف، ويشمل القول في الشهادة، فلا ينطق إلا بما رأى وعاين، فإن الشهادة حكم أو هي طريق الحكم ودليله، وإذا قلت في مباراة فكن عادلا، وإذا قلت في امتحان فكن عادلاً؛ لأن الامتحان تقدير كفاية فهي حكم.

والعدل ميزان الحق في معاملات الناس وأحوالهم، والإسلام دين العدل، وإذا كان لكل دين سمة فسمة الإسلام هي العدل، ولذا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠).

ولذا كان العدل رابطة الجماعة وميزانها، وقال تعالى: (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) أي ولو كان الذي يقوم عليه العدل في القول في حكم أو شهادة، أو فصل في


(١) الرواية موقوفة على ابن عباس في موطأ مالك: الجهاد - ما جاء في الغلول (٩٩٨). وختر العهد: نقضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>