خصومة، أو مباراة، أو امتحان، فإنما العدل حيث تتنازع العواطف، وتمتلك النفوس هو فعل الأبرار، وهو المقياس الذي تتفاوت به مراتب العدول.
وإذ كان العدل ميزان الترابط بين الجماعات في الأمة، فالوفاء بالعهد ميزان العدالة في الأمم، ولذا قال تعالى:
(وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفوا).
هذه هي الوصية العاشرة من وصايا الله تعالى وهي تطلب من الناس أجمعين الوفاء بالعهد، وقوله تعالى:(وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) قدم فيه (بِعَهْدِ اللَّهِ) لأهمية الوفاء بعهد الله، ولمعنى الاختصاص، أي احرصوا على الوفاء بعهد الله دون غيره.
وعهد الله تعالى الذي يتجه إليه، ما عهده إلى بني آدم من فطرة مستقيمة أنشأهم عليها، كما قال تعالى:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى). وإن تكليفات الله تعالى عهود عليهم.
والعهود بين العباد عهود الله تعالى عليهم؛ لأنهم عادة يوثقونها بأيمانهم، وقد قرر سبحانه وتعالى ذلك، وقال:(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢).
فهذه الآية تحث على الوفاء بما يكون من العهود بين الآحاد والجماعات، وهي تدل على ثلاثة أمور:
أولها - أن من وثق عهده بالله فقد جعل الله تعالى كفيلا بالوفاء، والخيانة أو خفر العهد خيانة لله تعالى.