ثانيها - أن الوفاء بالعهد يقوي الأمة فيجعل الناس يثقون بها، وتلك قوة، ولذلك شبه الله تعالى من ينقض عهده بالحمقاء التي تنقض ما فتلته من غَزْل، فتجعله أنكاثا شعرا متفرقا.
ثالثها - أنه لَا يصح أن تكون الرغبة في زيادة الأرض والسلطان سببا لخيانة العهد؛ لأن ذلك ظلم وطغيان، وفقد لقوة أكبر وأعز من النكث في العهد والخيانة وصدق ما قاله ابن عباس فيما نقلنا (ما خفر قوم في العهد إلا سلط الله تعالى عليهم عدوهم).
هذه وصايا الله سبحانه وتعالى، ويلاحظ أنه لم يذكر في هذه الوصايا الصلاة والزكاة والصوم والحج، وهي من أركان الإسلام، والصلاة عمود بهل دين، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا دين من غير صلاة "(١) لأنها لب العبادة. ولماذا لم تذكر الصلاة في هذه الوصايا، مع أنها لَا تقل طلبا في الإسلام عما ذكر من الوصايا العشر؛ ونجيب عن ذلك بثلاثة أمور.
أولها - أن المطالبة بها ذكرت إجمالا في قوله تعالى:(وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفوا) وقد ذكرنا أن أول عهود الله تعالى تكليفاته التي كلفها عباده.
ثانيها - أن هذه الوصايا مجمع عليها في الأديان، وهي الأساس النفسي والعملي لتكوين الجماعات الفاضلة، وقد جاءت بها الأديان كلها، ورضيتها الشرائع الوضعية المستقيمة.
ثالثها - وهي أهمها، أن هذه الآية مكية، ولم تكن الصلاة ولا الصوم ولا الحج قد فرض، والزكاة لم تكن قد نظمت كما ذكرنا آنفا.
(١) رواه أبو داود: الخراج والإمارة - ما جاء في خبر الطائف (٣٠٢٦)، وأحمد: مسند الشاميين - حديث عثمان بن أبي العاص (١٧٤٥٤)، بلفظ: " لا خير في دين لَا ركوع فيه " أي لَا صلاة فيه.