للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن تقرأ السلام على من تعرف ومن لم تعرف، وإحسان العمل إتقانه (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا).

وإن الإحسان إلى الوالدين ابتدأ بهما لأنهما رأس الأسرة، وهما أصل تكوينها، فمنهما تتشعب، وتمتد من الأصول إلى الفروع ثم إلى الحواشي؛ ولذلك كان الإحسان واجبا لكل من يربطهم بهما رحم، وذكر الإحسان إلى ذوي القربى، فكان الميثاق الإنساني العالي الذي أخذه الله تعالى على بني إسرائيل فقال تعالى: (وَذِي الْقرْبَى) والقربى مؤنث أقرب، والمعنى أن بعد الوالدين ذو القربى، صاحب القرابة الأقرب مترتبة الأقرب فالأقرب، وذلك يتفق مع ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد سئل: من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: " أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك " (١) ثم الأقرب فالأقرب، فمعنى ذي القربى، القريب الأقرب ثم يتوالى الأقرب فالأقرب.

والأسرة في الإسلام ممتدة، ليست مقصورة على الأبوين أو الزوجين، بل إنها ممتدة تشمل الأقرباء أجمعين، يحسن إليهم الأقرب فالأقرب حتى يعمهم ويبرهم جميعا، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " من أراد أن يبارك له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه " (٢)، وإن ذلك كله تقوية لبناء الأسرة على التواصل والمودة والرحمة فإن المجتمع الكامل يتكون من أسر قوية وهي لبنة البناء، ولا يتكون بناء قوي إلا من لبنات قوية.

وإن العناية بالأسرة عناية بالجماعة، وإن الوطن لَا تتربى محبته إلا في بناء الأسرة، والنزوع الجماعي، والتربية الاجتماعية هي التي توح النفس الإنسانية محبة الجماعة وحسن التبادل العادل بينها وإنما يبدأ ذلك بالأسرة، وقد أراد بعض الفلاسفة - وسارت وراءهم بعض النظم - أن يمحو الأسرة ويربى الأطفال مع غير آبائهم


(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري: كتاب الأدب (٥٥١٤) ومسلم: البر والصلة (٤٦٢١) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) عَنْ أنَس بْنِ مَالِك - رَضِي اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " مَنْ صَرةُ أنْ يُبْسَطَ لَه فِى رِزْقه وَيُنْسَأ لَه فِى أثَرِه فًلْيَصِلْ رَحمَهُ). [متفق عليه، رَواه البخاري: كتاب البيوع (١٩٢٥) وصلم: البر والصلَةَ والآداب (٤٦٣٩)].

<<  <  ج: ص:  >  >>