للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن في ذلك لإشارة واضحة إلى أن الشيطان الذي نزع لباس آدم وحواء هو الذي ينزع عن العرب لباسهم في الطواف حول أقدس بيت الله في الأرض، أول بيت وضع لعبادة الناس وهو البيت الحرام.

وإذا كان إبليس قد تراءى في الجنة الأولى لآدم وحواء فدلاهما بغرور، فإن أتباعه لَا يظهرون، ولكن يوسوسون؛ ولذا قال تعالى: (إِنَّه يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهمْ).

إن إبليس يختفي ولكن له سلطان قوي على النفوس والقوة الخفية له هو وقبيله أي جماعته التي يجمعها، هذه القوة تبعث في النفس بقدر لَا يقل عن القوة الظاهرة التي كانت لأبوي الخليقة آدم وزوجه، وهذه القوة يؤثر بها في نفوس الكبراء بإغرائهم بالسلطان وتسليطهم على الضعفاء فيكون على الضعفاء قوتان تسيطران على أنفسهم: قوة أصحاب السلطان الظالم، وقوة الشيطان والاستخذاء له في نفوسهم. والمؤمن القوي يدفع الإغراءين ولا يستمع إلا لله سبحانه وتعالى، فإذا كانت هذه تسيطر، فقوة الحق عند أهل الحق أقوى، ولو كانوا عبيدا أو ضعفاء، لأنهم مؤمنون بالله - سبحانه وتعالى - وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأثير الشياطين الخفية وتأثير الملائكة " أن للملك لمة وللشيطان لمة، فأما لمة الملك فوعد بالخير وتصديق بالحق، وأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق " (١).

واللمة ما يلم بالقلب ويتصرف القلب والنفس بمقتضاه، قالقلب تتنازعه قوة الحق وهي من الله أو من الملك، وقوة الشر، وهي من الشيطان، وهو يرهب من الحق، ونتائجه، ويغري بالهوى والشهوة.

وإن قوة الإيمان تدفع إغراء الشيطان، فالإيمان والتقوى حصنان للحق، والكفر والهوى حظيرة الشيطان؛ ولذا قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنونَ).


(١) رواه بنحوه الترمذي: التفسير - ومن سورة البقرة (٢٩٨٨) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>