للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذكر الله تعالى في الآية السابقة أن الله تعالى لَا يأمر بالفحشاء، أي لَا يأمر بالأمر الذي يفحش، فلا تستطيع العقول المستقيمة المدركة أن ترضى به، وهنا يبين ما يأمر به سبحانه، فيقول: (قلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)، وإن السياق يقتضي أن يكون ما أمر الله به نقيض الفحشاء، فالقسط هنا يفسر بأنه العدل، والعدل كل أمر في ذاته مستقيم تقره العقول ولا ينكره الذوق السليم، فالعدل يشمل العدل في الحكم، والعدل في الأقوال والأفعال، والاعتدال في كل ما يختار في الأمور، فلا يمتد إلى الحرمان، ولا إلى الاعتداء، بله الإفحاش؛ ولذلك قال بعض المفسرين: إنه يشمل كل ما أمر الله به، فما يأمر إلا بما هو عدل، وما نهى إلا عما هو ظلم. وقال أبو مسلم في تفسيره: إنه الطاعات كلها، والتعبير بالماضي في " أمر " فيه تكذيب لافترائهما وأنه لم يأمر به الله سبحانه، فالله - سبحانه وتعالى - ما أمر بالفحشاء، بل أمر بالقسط، وما به تستقيم الأمور في العقول.

ولقد صرح - سبحانه - بما يجب للمساجد، من تعظيم، لَا أن يطَّوَّفوا عراة بالمسجد الأعظم، الذي كرمه الله تعالى، وتشد إليه الرحال؛ ولذا قال تعالى: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كلِّ مَسْجِدٍ).

هذا أمر معطوف على خبر في الظاهر، ولكن قالوا إن قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكمْ) " أن " مطوية في الكلام ومقصودة والسياق هكذا: " أمر ربي بالقسط وبأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد ". وأقول إن: " أقيموا " معطوف على " أمر؛ لأن " أمر " يتضمن معنى الطلب، فهو عطف طلب على طلب.

وإقامة الوجه عند كل مسجد، هي الاتجاه إلى الله تعالى، مثل قوله تعالى: (فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا. . .)، والوجوه هي الذوات، أي اتجهوا إلى الله تعالى بكل أنفسكم عند كل مسجد، وكذلك ما يطلبه الله تعالى عند كل مسجد، مع توقير المساجد، وإعطائها حقها في الاحترام والإجلال، فلا يصح أن يكون فيها عرى أو ما يكون رذيلة في ذاته، أو ما يبعث على الرذيلة، وأن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>