للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاحتشام هو الزي الأكمل، وإقامة الذات لله تعالى أن تكون خالصة له سبحانه، ومستشعرة خشيته، وجلاله، وقرن هنا بالمسجد، لكرامة المسجد كما ذكرنا؛ ولأنه رمز الصلاة، فإقامة الوجه في الصلاة بأن تكون مقومة فيها استحضار عظمة الله سبحانه في قراءتها وأدعيتها وكل حركاتها، لَا يعمر القلب فيها غير الله تعالى.

وقرن - سبحانه وتعالى - الأمر بإقامة الوجوه لله بالأمر بالدعاء مخلصين له الدين، فقال تعالى: (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، الأمر بالدعاء هو الأمر بالعبادة، لأن العبادة دعاء، والدعاء في ذاته اتجاه إلى الله بضراعة وخشوع وخضوع، فقد أمر الله تعالى بمعاملة الناس بالقسط بين الناس، ثم أمر من بعد بإقامة الوجه لله تعالى بالانصراف إليها بذواتنا، بأن نجعل كل مشاعرنا، وخلجات قلوبنا لله تعالى، بحيث لَا نحب إلا لله، ولا نبغض إلا لله، وأن نكون ربانيين في أنفسنا، وعقولنا، وقلوبنا، ثم أمرنا من بعد أن نعبده وحده، قد خلصت قلوبنا له؛ ولذا قال: (مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ) والدين هنا الطاعة، وكل العبادات.

مخلصين له كل هذا، بحيث لَا نشرك في عبادته أحدا، فلا نعبد أحدا سواه، ولا نرائي في عبادته، فالرياء في العبادة هو الشرك الخفي، ولذا ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " (١).

وقد قرن - سبحانه وتعالى - هذه الأوامر بالتحذير من عصيانه، والتذكير بالبعث، وأنه وراء البعث القيامة والحساب والثواب أو العقاب، ولذا قال تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).

وفى هذا النص دعوة إلى الإيمان بالبعث، وتذكير به، وهذا التذكير يحمل في نفسه دليله، و " الكاف " دالة على التشبيه، والمعنى بهذا البدء بالخلق والتكون تعودون، أي يعيدكم كما بدأكم، ففي الآية ذكر للبعث، ودعوة إلى الإيمان به، والدليل عليه بقياس الإعادة على الإنشاء، وأنه أهون، والله على كل شيء قدير،


(١) سبق تخريجه

<<  <  ج: ص:  >  >>