للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) الاستفهام إنكاري لنفي الواقع لا لنفي الوقوع؛ لأنه وقع من المشركين، وإنكار الواقع توبيخ لهم على ما وقع.

وقد وقع في هذا بعض العرب، فطافوا عراة في المسجد الحرام، كما ذكرنا، وقد كان الأمر في الآية السابقة يأخذ الزينة في المسجد الحرام وعند كل مسجد، وفى هذه الآية يستنكر تحريم الزينة في المساجد وغيرها، وهي آمرة باتخاذ الزينة أمْر إباحة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحمل في ثيابه، وإن كان يرقعها أحيانا (١)، وكان يحث أصحابه على أن يتخذوا أحسن الثياب حتى إذا أوشكت على البلى تصدقوا بها، وكان السلف من الصحابة والتابعين يعنون بثيابهم، وإذا كان قد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه في مدة خلافته كان يلبس أحيانا ثوبا تعد رقعاته، فما ذلك لتحريم التجمل على نفسه، بل لمعنى في الحكم الآمر نفسه، فهو يقول: لا أكون أمير المؤمنين إن لم أعش كأضعف المؤمنين.

وكان علي بن أبي طالب إمام الهدى يعنى بثيابه ويتجمل بها، فلما ولي أمر المؤمنين كانت أول كلمة قالها: سأرفع من ثوبي ما كنت أجر.

وقوله تعالى: (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ)، أي أنه - سبحانه وتعالى - مكن عباده من إخراجها ونسجها، وأنشأ لهم مصدر وجودها، فهو - سبحانه وتعالى - هو الذي أنزل المطر بالماء العذب من السماء فكان النبات، وعاش بالنبات الحيوان، وكان من النبات القطن والكتان، وكان من الحيوان الصوف والوبر والشعر، وكان من كل ذلك اللباس والرياش، وما خلق ذلك عبثا، بل كان وفق ما سنه - سبحانه وتعالى - ولا يليق بمؤمن أن يرد إنعام الله، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " (٢). وكما استنكر القرآن الكريم الذي أنزله رب العالمين تحريم الزينة استنكر أيضا تحريم الطيبات، والطيبات هي الأطعمة التي تستلذ وتستطاب ما دامت لَا تضر الأجسام، وهي ضد الخبائث كما قال تعالى: (. . . وَيُحِلُّ لَهُمُ


(١) وذلك كما رواه أحمد: باقي مسند الأنصار - باقي المسند السابق (٢٥٥٢٧).
(٢) رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: هذا حديث حسن. سنن الترمذي: الأدب - ما جاء في أن الله يحب أن يرى أثر نعمته (٢٨١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>