للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونرى أنه قد جاء النهي عن الفساد، ولم يجئ الأمر بالإصلاح؛ وذلك لأن الله تعالى تولى جعل الأرض صالحة لأن يعيش فيها أهلها آمنين مطمئنين بأن جعلها مهادا، وجعل الجبال أوتادا، وأنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات كل شيء: أخرج به حبا متراكبا، وغروسا ذات ثمار يانعة، فهو - سبحانه وتعالى - تولى ما به صلاح ذات الأرض، وأرسل الرسل تصلح ما بين الناس بالحق، وأجرى على أيديهم شرائع تهديهم إلى الرشاد، وتأخذهم إلى الحق إن استقاموا على الطريقة، وإذا عرفنا معنى الإصلاح الذي كان من الله تعالى في الأرض، عرفنا معنى الإفساد الذي يكون بعد الإصلاح الأزلي الذي قرره الله تعالى فيكون الإفساد تخريب العامر، وقطع القائم وإهلاك الحرث والنسل، وتعطيل شرائع الله، وإشاعة الأخلاق الفاسدة، وإثارة الغرائز الفتاكة والقاتلة لكل فضيلة بين الناس، وفتح باب الرشا وأكل السحت.

وقوله: (بَعْدَ إِصْلاحِهَا)، تقرير لواقع الأمور؛ لأن الفساد لَا يكون إلا تقويضا لصالح، وإنه في وسط تلك المعرفة القائمة بين الصلاح والفساد، مع الامتناع عن الثاني يكون الالتجاء إلى الله تعالى؛ ولذا قال تعالى: (وَادْعُوهُ خَوفَا وَطَمَعًا).

أي ندعو إليه - سبحانه وتعالى - بدعاء: ربكم الذي خلقكم ويكلؤكم بعنايحَه وتدبيره وحكمته (خَوْفًا وَطَمَعًا)، أي خائفين من مغبة أعمالكم في الحياة (الدنيا)، ومن آثارها في اليوم (الآخر)، وطامعين في غفرانه ورحمته التي وسعت كل شيء رحمة وفضلا. فمعنى (خَوْفًا) أي خائفين من عذابه، و (طَمَعًا) أي طامعين في غفرانه - وإن الله تعالى يقرن رجاءه بخوفه، ورحمته بخوف عذابه.

قال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠).

وقدم - سبحانه وتعالى - الخوف على الطمع؛ بأنه يجب على المؤمن أن يغلب الخوف على الرجاء؛ لأن من غلب الخوف على الرجاء أمن

<<  <  ج: ص:  >  >>