للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتذهب نفسه عليهم حسرات، حتى قال الله تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، فالله تعالى يبين له العبرة في قصص النبيين، وأن أقوامهم كفروا بهم وعاندوهم، حتى جاء أولئك بأسُ الله، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، إنما أنت منذر، ولكل قوم هاد.

والقرى: المجتمعات الكبيرة التي قص الله تعالى قصصها من أخبار قوم نوح، وعاد وثمود، وآل مدين، وقوم لوط.

وقوله تعالى: (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا) نتبع أخبارها بالقصيص، والأنباء: هي الأخبار ذات الشأن الخطر التي تفيد العظة والاعتبار، والاطمئنان للنبي - صلى الله عليه وسلم -. هذه أخبارهم أو أنباؤهم ذات الشأن (وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبينَاتِ)، أي بالأدلة المعجزة الموجبة للإيمان، وأكد - سبحانه - أن الرسل جاءتهم بالبينات بقوله (وَلَقَدْ)؛ لأن اللام للتأكيد، وقد للتأكيد، والتأكيد ليس لمجيء الرسل، إنما هو لمجيئهم بالبينات التي فيها الحجج القاطعة التي لَا يرتاب فيها طالب للحق، وإنما يرتاب المرتابون الذين لَا يؤمنون بحق، ولا يطلبون الهداية، ولا يخضعون للحق إن بدت أماراته، وظهرت بيناته.

وقد وصف الله تعالى حال الذين يصلون، ويختم على قلوبهم بالباطل، فذكر أنهم مبادرون بالإنكار والتكذيب من غير أن يفحصوا ما جاء به الرسول من أدلة فإذا سبق الإنكار والتكذيب تشبثوا بهما وقد حجبوا عن أنفسهم النور وكلما أمعنوا في التعلق بما سبق إلى نفوسهم ازدادوا جحودا ولا تزيدهم الآيات إلا كفرا، وإعناتا.

ولذا قال تعالى: (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ) " الفاء " للإفصاح إذ تفصح عن شرط مقدر، وقوله تعالى: (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا)، أي مما كان من شأنهم أن يؤمنوا وقد سارعوا إلى التكذيب بمعنى قبل أن يفحصوا بميزان الفعل،

<<  <  ج: ص:  >  >>