للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأمر الرابع ذكره سبحانه وتعالى في قص له: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ) والإصر هو الثقل، والمراد ثقل التكليفات فلم تكن تكليفاتهم يسيرة، بل كان فيها شدة وكان فيهم غلظة في طباعهم، وقسوة في نفوسهم، فكان تشديد التكليف عليهم تهذيبا لهم، وكفا لشَّره في نفوِسهم، فكان لابد لفطمهم عن بعض الطيبات، كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ. . .)، أي هي في أصلها حلال.

وقال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (١٤٦).

ومما رفعه سبحانه وتعالى: (وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) والأغلال جمع غل، وهو ما يوضع في العنق في مخنقة ليثقل ويوضع كذلك تقييدا لحركته وإثقالا عليه، والمراد هنا ما وضع من قيود في الحلال عليهم تهذيبا كتحريم الصيد يوم السبت، ومنع بعض المحللات في ذاتها، ولكنها حرمت عليهم تربية لهم.

والأغلال مجاز عن هذه القيود التي شدد الله بها على نفوسهم لقمعها عن الإسراف في الشهوات، شبهت هذه القيود بالأغلال الحسية؛ لأنها ثقيلة على النفوس المستقيمة، ولكنها علاج للنفوس المريضة السقيمة، وإن شريعة النبي الأُميّ جاءت موائمة للفطرة السليمة جاءت لليسر، دون العسر، وكانت عزاءً للإنسانية كلها لَا فرق بين أحمر وأسود، وهي الباقية ما بقي الإنسان.

وإذا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - قد جاء برفع الآصار فإن الواجب تأييده ونصره؛ ولذا قال تعالى: (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر يتضمن الكلام المتقدم فحواه، ومؤدى القول إذا كان هذا النبي الأُميّ ينعم الله على يده عليكم تلك النعم، وهو قد جاء بالحق في ذاته، ورفع عنكم الآصار والأغلال؛ فعزروه أي فوقروه وأيدوه،

<<  <  ج: ص:  >  >>