بعد الدعوة وليس به جنون كما ادعيتم ولكنه حمل الرسالة بالإنذار والتبشير لكم فلا مسوغ لكم في تكذيبه، وقد علمتم من ماضيه فيكم أنه الصادق، وتأيد صدقه بالمعجزة الباهرة القاهرة فيكون كل ما جاء به حق.
وإنه إذا ثبتت المعجزة، وإنها ثابتة لَا محاله، فقد ثبت كل ما جاء به ودعا إليه من التوحيد، وألا يشركوا بالله شيئا.
وقد أخذ - سبحانه وتعالى - يثبته بالأدلة الكونية، وقد دعاهم - سبحانه -
إلى النظر في الكون، وما خلق من شيء فقال تعالى:(أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الملكوت صيغة مبالغة في الملك، وهي تدل على كمال السلطان وقوة الملك، وأن كل شيء في هذا الملكوت لَا يسير إلا بأمر الله تعالى ونهيه - سبحانه وتعالى - والاستفهام للتعجب من أمر المشركين الذين هبط حالهم إلى عبادة حجر لَا ينفع ولا يضر، وهو ملقى ككل الحجارة الملقاة ولا ينظرون إلى الكون العظيم وخالقه، لَا ينظرون إلى السماء وأبراجها والشمس وضوئها، والقمر ونوره، وتعاقب الليل والنهار، ولا إلى الأرض وسهولها وأوتادها (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ)، والأشياء التي خلقها الله تعالى من حيوان، وجماد وفلزات في باطن الأرض، لَا ينظرون إلى ذلك ويسجدون للصنم، ويجعلونه إلها كخالق هذا الكون، وخالق الوجود كله! إن هذا قصور في الفكر والعقل، وضلال في القول والعمل، وخبط في العبادة صن غير إدراك.
وقوله تعالى:(أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الفعل فيها عطف على فعل محذوف تقديره أيشركون بالله أصناما، ويجعلونها أندادا له - سبحانه وتعالي - ولم ينظروا إلى خلق الله وعظم هذا الخلق، والأثر يدل على المؤثر، والمخلوق يدل على الخالق سبحانه، وهذا الكلام فيه دعوة إلى النظر في الكون، (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) في السماء والأرض، فقد قال تعالى:(قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. . .)، وقال تعالى:(أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩)