للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا هو الأمر الأول، أما الثاني فهو قوله تعالى لنبيه: (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)، أي أمر بالأمر الحسن في ذاته الذي تألفه العقول، ويألفه الناس، ويدركونه، وإن هذا يجمع كل ما أمرت به الشرائع الإلهية في معاملات الناس، وفي اجتماعهم، ولقد روينا في عدة مناسبات قول الأعرابي الذي سئل لماذا آمنت بمحمد فقال: ما رأيت محمدا يقول في أمر افعل، والعقل يقول لَا تفعل، وما رأيت محمدا يقول في أمر لَا تفعل، والعقل يقول افعل.

وإن هذا النص الكريم يدل قطعا على أن كل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاء به القرآن أمر متفق مع ما تأتي به العقول، وما أمر به هو حسن في ذاته، وما نهى عنه قبيح في ذاته، وقال بعض العلماء: إن ما كان حسنا في ذاته فهو من أمر الله، وما كان قبيحا في العقل فقد نهى الله عنه.

وقد أسرف ناس على أنفسهم وعلى الله فظنوا أن ما يستحسنونه أو يقبحونه فلهم أن يمنعوه، وإن أباحه الله، ولهم أن يوجبوه، وإن منعه الله: (. . . كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥).

وقوله في الأمر الثالث: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) أي أهل الحمق والجهل، الذين لَا يهتدون بهدى، ولا يسمعون مرشدا، بل يعملون على إيذاء الداعي، ويستهزئون بالمرشد، وهؤلاء ليس لهم إلا أن يعرضوا عن هؤلاء، كقوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ. . .)، وكقوله تعالى: (. . . وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا).

ولما نزلت هذه الآية قال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك " (١)،


(١) رواه الحاكم في المستدرك: ج، ٢، ص ٥٦٣ برقم (٣٩٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>