للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجال حتى تكون أشد من الحجارة، ومثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رحِيم)، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى إذ قال: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَهُمْ عِبَادُكَ وَإن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإَِّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)، ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام إذ قال: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ).

اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الفداء، لأنه أرفق، ولأنه رأى فيه تقوية للمؤمنين، بالمال يأخذه منهم، وتقوية للمؤمنين بتعليم الأميين من الصحابة إذ كان من يقرأ ويكتب من الأسرى وليس معه مال، تكون فديته بتعليم بعض المؤمنين، ولقد مَنَّ على العاجزين عن الأمرين ممن رجا فيه خيرا.

نزلت هذه المعاتبة بعد ذلك، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبكى معه صاحبه في الغار، وصدِّيق هذه الأمة، وقالوا: " إن القرآن نزل برأي عمر " (١).

ونحن نرى أن القرآن نزل برأي سعد بن معاذ، وروي أنه وافق سعدا الفاروق عمر، وعبد الله بن رواحة؛ لأن العتاب ابتداء ما كان متجها إلى أخذ الفداء، إنما كان متجها ابتداء إلى أخذ الأسرى قبل أن يثخن في الأرض، أما الفداء فلا لوم فيه، وقد جاء به القرآن في نظام الأسرى، فقال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا).

وهنا يسأل سائل لماذا لم يعلم الله رسوله الحق قبل أن يقع في الخطأ بدل أن يتركه يخطئ، ثم يعتب عليه والجواب عن ذلك أن حكمة الله تعالى في أقواله وأفعاله بالغة، فإن في ذلك تعليم لنا ومنع لغرورنا، إن هذا يبين أن هذا النبي


(١) البداية والنهاية: ج ٤، ص ١٠٤، وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسلم: الجهاد والسير - الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (١٧٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>