للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِيهِمْ، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ: أَنِ اقْدَمِ المَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا، فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ " فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ، فَكُنْتَ قَرِيبًا، «فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا المَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ ".

وإن هذا الحديث يدل عنى أنه اختار هذا البعد، وربما يكون قد اختار الربذة بالذات.

وفى المناقشة بينه وبين معاوية أغلظ، وقد أراد معاوية أن يغويه بالمال أو يختبره وهو عنده، أيوافق قوله عمله أم لَا، فبعث إليه بألف دينار، ففرقها على الفقراء من يومه، ثم بعث إليه الذي أتاه بها، فقال: إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت، فهات الذهب، فقال: ويحك إنها خرجت، ولكن إذا جاء مالي حاسبتك. وفي الحق أن أبا ذر قد أصاب كل الإصابة في قوله: إن الآية تعم الأحبار والرهبان وأتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وأخطأ معاوية، وما لمعاوية وفقه القرآن!.

ويحق إذن أن نقول إن الآية عامة لَا تخص الأحبار والرهبان، ولا نسير إلى المدى الذي يسير إليه سيدنا أبو ذر الصحابي المخلص بحيث لَا يبيح لذي المال إلا ما يكفيه وعياله كما كان يفعل في - ذات نفسه، ويدعو إليه. روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه كان مع أبي ذر، فخرج عطاؤه، ومعه جارية، فجعلت تقضي حوائجه، فقضت منها سبعة، فقلت: لو ادخرت لحاجة بيوتك، وللضيف ينزل بك، فقال: إن خليلي أوصاني أن أيما ذهب أو فضة أوكئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله إفراغا.

ولقد قال ابن عبد البر: " وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك، وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم، وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة!.

<<  <  ج: ص:  >  >>