للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحن نتبع جمهور الصحابة؛ وذلك لأنه إذا لم يبق شيء من المال بعد نفقاته ونفقات عياله لم يكن ثمة زكاة، لعدم وجود وعاء لها، فشرعية الزكاة توجب مالا مدخرا حولا، وذلك ينافي ما ذهب إليه أبو ذر رضي الله عنه. وأيضا فإن الأخذ برأي الصحابي الجليل ينافي الميراث؛ لأن الميراث يكون في المال الذي يبقى، وقد منع الصحابي الجليل بقاء أي مال يورث أو تجب فيه الزكاة.

وأيضا فإن معنى رأيه إلغاء الوصية مع الميراث، وقد شرعت الوصية بالقرآن، وبالحديث النبوي، فقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: " إن اللَّه تصدق عليكم في آخر أعماركم بثلث مالكم فضعوه حيث شئتم) (١) ولقد كان من الصحابة من لهم ثروات في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - فما استنكرها عليهم، فعثمان كان ثريا وتاجرا، وعبد الرحمن بن عوف كان ثريا وتاجرا، وأبو بكر وعمر كانا من ذوي الأموال.

وإنه لو أخذ برأي أبي ذر ما كانت التجارات، فأسواقها تقوم على رءوس الأموال، وما كانت الصناعات، فهي أيضا تقوم على رءوس الأموال.

من أجل هذا كان لابد من تخصيص كنز الذهب والفضة الذي أوعد الله تعالى، وقد خصصوه من ذات النص القرآني فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا ينفِقونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إن الوعيد على الأمرين مجتمعين لا على أمر واحد منهما. فليس الوعيد على الكنز لذات الكنز، وإنما الوعيد على الأمرين معا، على الكنز وعدم الإنفاق في سبيل الله تعالى، فإذا وجدا معا كان التبشير بالعذاب الأليم، وكان الوعيد الشديد لمن يمنع الإنفاق مع أنه يكنز المال، ولذا تضاربت الروايات على أن من يعطي الزكاة لَا يكون عليه إثم الكانزين، بل إنه لَا يعد كانزا من يخرج حقه في سبيل الله، وإنما الكانز هو الجامع للمال الذي يمنع حقه.


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>