للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ورد ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأن الإنفاق يمنع إثم الكانز الذي يجمع المال، وإنما ورد في الأثر الصحيح: " نعم المال الصالح في يد العبد الصالح " (١).

ويجب أن نشير هنا إلى أن الآية تشير إلى أن المال لَا يكنز من الذهب والفضة، بل يجب أن يخرج للاستغلال الحلال بالاتجار، والصناعة، والزراعة، ولا يبقى في الخزائن، كالماء العطن الذي لَا ينتفع به، وفي الآية إشارات بيانية: منها - قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب) فإن في الآية تهكما عليهم؛ لأن العذاب الأليم لَا يبشر به، بل يهدد به، وفي التعبير بقوله تعالى: (فَبَشِّرْهُم) تهكم بهم، إذ إنهم كانوا يرتقبون خيرا في الآخرة من تكاثرهم في المال واكتنازه فجاءت العقبى غير ما يرتقبون.

ومنها - أن الضمير أعيد على الذهب والفضة بضمير المؤنث في قوله: (وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لملاحظة المعنى وهو الدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة، وهي جمع، فأعيد عليها بضمير المؤنث، وهو لما لَا يعقل يكون بالضمير المؤنث.

والثالثة - أنه ذكر الكنز في الذهب والفضة دون غيرهما مع أن الأموال كثيرة، وكان المال يطلق على النعم دون غيرها، وأجيب عنها بأن الذهب والفضة تطلق على كل المال، وهما مقياس التقدير لكل الأموال، وقد قال في ذلك الزمخشري: إنهما قانون التمول وأثمان الأشياء، ولا يكنزهما إلا من فضلا عن حاجته، ومن كثرا عنده حتى يكنزهما، لم يعدم سائر أجناس المال، فكان ذكر كنزهما دليلا على ما سواهما.


(١) عن عَمْرو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: بَعَثَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلَاحَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي» فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَهُ، فَقَالَ: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ اللَّهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَزْعبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً». قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ زَعْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنْ أَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: " يَا عَمْرُو، نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ. رواه أحمد: مسند الشاميين - حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه (١٧٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>