للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحَجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الحَجَّةِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ - عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ (١).

وإن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " أن المشركين كما سيتبين يغيرون في الأشهر الحرم اتباعا لشهواتهم في القتال والغارات، فكانوا إذا جاء الشهر الحرام، وهم يتقاتلون، أو يريدون الغارة أجَّلوه إلى ما يليه، ويسمون ذلك النسيء كما سيأتي في الآية الآتية، إن شاء الله تعالى، فمعنى قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، أن هذا الوقت هو وقت صادق أنه في الأشهر الحُرُم.

وتحريم القتال في هذه الأشهر فرض هدنة شرعية تحمل الناس على ألا يرفعوا السلاح ولا يقاتلوا، فتعود القضب إلى أجفانها فتكون الترويه، وإذا كان بين المتقاتلين هدنة يتروون فيها تكون كالنسيم العليل فتهدأ النفوس، وربما أنهت القتال، ألم تر أن هدنة الحديبية أنهت القتال بين النبي والمشركين.

وفوق ذلك فهذه الأشهر هي أشهر الحج، فيجب أن يكون فيها أمن السارى في ذهابه إلى الحج وأوبته، حتى تؤدى فرائض الله، والأشهر المتواليات أشهر


(١) متفق عليه، رواه البخاري: المغازى - حجة الوداع (٤٤٠٦)، ومسلم بنحوه: القامة والمحاربين - تغليظ تحريم الدماء (١٦٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>