للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذهاب والأوبة، ورجب مضر كان شهر عمرة، فأُمِّن ليتمكن من يريد العمرة من أن يعتمر فيه.

ولقد قال تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الإشارة إلى ما تقدم من عدة الشهور، وتحريم القتال في أربع منها هو الدين، وعبر عنها بأنها الدين لمكان تحريمها من الشرع، وإن كانت بعض (الدِّينُ)، فذلك التعبير السامي تأكيد لمنع القتال في الأشهر الأربعة، و (الْقَيِّمُ) معناه المستقيم القويم وكان كذلك؛ لأنه ما سلكه إبراهيم باني البيت ورافع قواعده، ولأنه يكفكف حدة القتال، ولأنه يمكَن قاصدى البيت من أن يصلوا إليه، ويعودوا منه.

وقال تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) الظلم: النهي عنه في هذه الأشهر الحرم، هو ظلم أنفسهم باستمرار القتال فيها، فظلم للنفس أن يقاتل، وقد منع من القتال، ولأنه عصيان لله، وكل عصيان لله تعالى فهو ظلم للنفس، وقال بعض العلماء: إن الظلم للنفس في الشهر الحرام هو أن يُعتدى عليهم فلا يدافعوا عن أنفسهم ويردوا اعتداء غيرهم، ونقول: إن القتال في هذه الحال لَا يكون محرما في الشهر الحرام، بل المعتدى على الشهر غيرهم، والله تعالى يقول: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاص. . .).

وبعد ذلك أمر الله تعالى بقتال المشركين كافة ردا لاعتدائهم فقال: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَةً كمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَةً. . .).

وهذه لَا تتنافى مع تحريم القتال في الأشهر الحرم، بل إنها تؤيده في معناه، إن المشركين في غزوة الأحزاب وغيرها - وخصوصا إذا أدخلنا في عداد المشركين من كانوا يعبدون الأشخاص - كانوا يجتمعون كافة، فكان حقا على المؤمنين أن يجتمعوا كافة لهم، ولا يتخاذلوا أمامهم، وإن قاتلوا المؤمنين بكافتهم في الأشهر الحرم، وجب أن يجتمعوا كافة لمقاتلتهم ولا يتوانوا ويثاقلوا.

وكان غريبا أن يتخذ بعض الفقهاء من قوله تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكينَ) دلالة على نسخ الأشهر الحرم، كان بعض الآية يهدم

<<  <  ج: ص:  >  >>