للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى ينبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمر لَا يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أنهم لن يخرجوا والله يعلم ذلك.

والنص الكريم هنا فيه عتاب على الإذن، وقد أجيز الإذن عند الاستئذان في آية أخرى فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢).

وموضوع الآيتين مختلف، فالآية الكريمة التي نتكلم في معناها موضوعها المنافقون وضعفاء الإيمان، أما موضوع آية سورة النور فمؤمنون بالله ورسوله، وأجابوا الأمر الجامع للمؤمنين وهو الجهاد، واستئذانهم كان لبعض شأنهم كاستئذان ذي النورين عثمان بن عفان في التخلف عن غزوة بدر الكبرى لبعض شأنه، وقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - عذره، وإذنه له في التخلف.

وموضوع العتاب بينه الله تعالى بقوله: (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وهو استفهام للاستنكار بمعنى النفي، أي لَا سبب للإذن؛ لأنهم كانوا قاعدين لَا محالة، فالنص ليس فيه استفهام عن سبب الخروج، ولكن نفي مع العتاب لأن يكون ثمة مسوغ للإذن، ولذا لم يقل سبحانه، وله المثل الأعلى في الكلام المعجز، " لماذا "؟ لأن ذلك يكون نصا في السؤال عن المسوغ؟.

وإن ذلك الإنكار كان لعدمِ الانتظارِ حتى تتبين حالهم الحقيقية، وهو أنهم قاعدون، ولذا قال تعالى: (حتَّى يَتَبَيَّن لَكَ الَّذِينَ صَدَقوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) أي أنه كان يجب الانتظار، وألا تسارع بالإذن حتى تتبين حالهم، وينكشف أمرهم.

والنص الكريم، يومئ إلى أن الذين أذن لهم في التخلف كان منهم صادقون في أعذارهم، كبعض الفقراء الذين لَا يجدون ما يحملهم في ذلك السفر البعيد الشقة الشديد المشقة، وهؤلاء تبين صدقهم، والمنافقون تعلم كذبهم علما يقينيا،

<<  <  ج: ص:  >  >>