للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروى أبو داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لقد تركتم أقواما ما سرتم مسيرًا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد، إلا وهم معكم فيه "، قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة!! فقال: " حبسهم العذر " (١).

وهؤلاء الذين سقط عنهم واجب الجهاد بالسيف، والاشتراك في المعركة، ذكرهم الله تعالى فقال: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) أي إثم أو أن يكلفوا أنفسهم العنت والضيق. والضعفاء هم الشيوخ الذي أثقلتهم السن، والنساء والصبيان، وغيرهم من الذين لَا تتحمل أجسامهم لضعف بنيتهم، وخور مُنَّتِهم (٢)، والأعمى والأعرج، كما قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (١٧).

والضعفاء الذين عذرهم، وفيهم الأعمى والأعرج وعذرهم ثابت دائم، وهناك أمر ليس بدائم، وهو عارض، ولكنه يسقط الوجوب في مدة وجوده، وهو المرض الشديد الذي يقعد عن القيام بالواجب أو يزيده الجهاد مرضا.

وهناك عجز ليس في ذات الجسم دائما، أو عارض قابل للزوال، وهو ألا يجد ما ينفق منه على نفسه في رحلته، وقال تعالى فيه: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ).

وكل لَا يجب عليهم الجهاد، ولكن يجب عليهم أن ينصحوا لله ورسوله، وقد بينا ما قال العلماء في ذلك، وإنهم بإخلاصهم ونصيحتهم، والقيام بالواجب الذي يقدرون قد أحسنوا في جنب الله، ولذا قال تعالى: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ).


(١) هذه رواية أبي داود: الجهاد - الرخصة في القعود من العذر (٢٥٠٨).
(٢) المُنَّة: القوة. والمقصود ضعف قوتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>