للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيرهم ممن تكشف بعض أمرهم، فقال الله تعالى عنهم: (. . . وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ. . .)، ولقد قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تَعْلَمُهُمْ) أي مع فطنتك وقوة حسك، (نَحْنُ نَعْلَمُ) المتكلم هو الله جل جلاله، وهو يعلم ما تسره النفوس، وما يناجون به فيما بينهم، وهذا نفاق فيمن حولكم، أي يحيطون بدياركم ويجب الحذر منهم والاحتياط لهم، وتكشف أمرهم حتى لَا يخدعوكم.

(وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) الذين يتتبعون عورات المؤمنين، ويتسمعون مواضع الضعف فيكم، وهؤلاء أصلاء في النفاق من وقت أن رأوا القوة فيكم، فأسرُّوا الكفر وأظهروا الإسلام، ودأبوا على النفاق ولجوا فيه، حتى صار النفاق عليهم سهلًا ميسرا، وعبر الله تعالى عن دأبهم في النفاق (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) وتجردوا له حتى خلصت نفوسهم له حتى صاروا لَا يستطيعون الصدق لو أرادوه، والإخلاص لأمر من الأمور، ولقد صاروا مهرة، من مرد فلان على العمل، إذا مهر فيه.

ولذلك رتب على مرد أن الرسول الفطن الأريب لَا يعلمهم، والله علام الغيوب، وما تحدث به النفوس يعلمهم، وإن الله إذ يعلمهم يعذبهم في الدنيا والآخرة، ولذا قال: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) وقوله تعالى: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) غير العذاب الأليم الذي يردون إليه، وأن توزيع العذاب عليهم يجعل العذاب مرتين، والعذاب الذي يردون إليه في الآخرة.

وقد اختلف المفسرون فيه، فقيل العذاب مرتين عذاب الفضيحة، وعذاب القبر، وقيل العذاب مرتين الفضيحة، وتنفيذ الحدود فيهم وأخذ الفرائض منهم.

وإني أرجح أن العذاب مرتين هو الفضيحة، ورد كيدهم في نحورهم، وفساد تدبيرهم، وغيظهم من أن المسلمين بقيادة النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرجون من كل تدبير دبروه سالمين، وأميل إلى الذين فسروا قوله تعالى: (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ) إلى أن مرتين كناية عن كثرة العدد، وترادف المرة بعد المرة، مثل قوله تعالى: (ثُمَّ ارْجِع

<<  <  ج: ص:  >  >>