والوصفان الرابع والخامس (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) قالوا إن هذين الوصفين لإقامة الصلاة، وهي ذكر الجزاء وإرادة الفعل، فالصلاة قيام وقعود، وركوع وسجود، وقراءة ودعاء، واختص الركوع والسجود بالذكر؛ لأنهما الوصفان اللذان يتجلى فيهما معنى الصلاة، لأن إقامة الصلاة بإحسان الخضوع والخشوع لله تعالى. وإن إخلاص القلب بخضوعه الكامل، وتفويضه التام هو إقامة الصلاة، وكنى به عن معنى الإقامة فيكون من المعقول أن يعبر بركني الركوع والسجود عن الصلاة، وبهما يتحقق ما اختصت به الصلاة من أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ويتحقق فيها ذكر الله تعالى.
بعد أن بين سبحانه الأوصاف التي تربي نفوسهم قلبيا واجتماعيا، ذكر صفتين تطهر مجتمعهم، وتجعل الفضيلة دائما هي السائدة.
وهاتان الصفتان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا قال تعالى:
(الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ)، إن المجتمع الفاضل يقوم على الأمر بالمعروف، أي كل ما هو معروف لَا تنكره العقول السليمة، والنهي عن كل أمر تنكره العقول السليمة، فإن المجتمع الفاضل ظل لكل خلق سليم ينمو في ظله الوارف، ولذا كانت أمة محمد أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى:(كنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهم. . .).
والوصف الثامن قول تعالى:(وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) الحد ما يحده الشارع فاصلا بين الحلال والحرام، ومعنى حفظه حمايته وصونه، ومن ذلك قوله تعالى:(. . . تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ).
ويطلق الحد في عرف الفقهاء على كل عقوبة ذكرها الله تعالى للجرائم التي تعد اعتداء على حق الله تعالى، أو كما يعبر في لغة العصر بحق المجتمع، فالحدود عقوبات على الرذائل وحماية للفضائل.