للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تتمة للنهي عن الاستغفار، وقد كان من المؤمنين من دفعته الرأفة بآله، أو ذوي القربى أن استغفر لهم، فكانت الآية لبيان أنه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)، لبيان أنه لَا مؤاخذة من غير تكليف، وخصوصا لمن اختار سبيل الهداية.

وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) نفي مؤكد عن ذات اللَّه تعالى، أن يكون منها إضلال لمن اهتدى وعلى قول أكثر المفسرين، ولتكون الآية مرتبطة بما قبلها ارتباطا وثيقا يكون معنى (لِيضِلَّ) الحكم بالضلالة والمؤاخذة عليها، قبل أن يبين سبحانه ما يُتَّقى من الضلالة، فكما أنه سبحانه لَا يعذب إلا بعد رسول مبين بمقتضى قوله تعالى: (. . . وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وكذلك لَا يؤاخذ سبحانه بذنب ارتكب إلا بعد بيان أنه ذنب، والطريق لاتقائه، وهذا على أن الهداية التي هداهم اللَّه هي الدخول في الإسلام فلا يحاسبك على شرب الخمر إلا بعد النهي عن الشرب، ولا على الزنى إلا بعد النهي عنه، ولا على القذف إلا بعد النهي عنه، ووضع الحدود المانعة من الارتكاب، وما كان اللَّه تعالى ليؤاخذ على الاستغفار إلا بعد النهي عنه، وفي النهي بيان لما يتقون به المؤاخذة.

وقد خطر لي، وأنا أكتب، أن يكون المعنى، وما كان اللَّه تعالى ليأخذ قوما ساروا بمقتضى الفطرة الإنسانية، والميثاق الذي أخذه عليهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، فهذه هي الهداية الفطرية التي فطر الناس عليها، فهذا معنى قوله تعالى: (إِذْ هَدَاهُمْ) أي وقت أن هداهم في بدء الخليقة وقوله تعالى: (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَّا يَتَّقونَ) أي حتى يبين ما يؤيد الفطرة ويدعمها، ويبين لها ما تتقيه بأن تجعل بينها وبينه وقاية، فلا تقع فيه، والحاجز المانع هو أمر اللَّه تعالى ونهيه، وتكون متطابقة تماما مع قوله تعالى: (. . . وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).

<<  <  ج: ص:  >  >>