للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرعب، وكان المنافقون بينهم يبثون - ذلك الخوف، ويلقون في النفوس الذعر ونالهم الخوف والجوع ونقص الثمرات، إذ تركوها في المدينة وقد نضجت فلم يحصدوها، وكان الجوع والعطش وهم سائرون في شقة بعيدة، جاء في تفسير الحافظ ابن كثير في تصوير المشقة في هذه الغزوة التي أرهبت الرومان وكانت إرهاصا بفتح الشام، فروي عن قتادة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خرج بالمؤمنين في لهبان الحر وأصابهم فيها جهد شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما. . . . وروي عن ابن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة فقال عمر بن الخطاب في وصف ما نالهم: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع من شدة العطش، وحتى إن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره، ليعصر فرثه، فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه إن اللَّه عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا فقال - صلى الله عليه وسلم -: " تحب ذلك؟ " قال: نعم، فرفع يديه، فلم يرجعها حتى سالت السماء وأهطلت، ثم سكنت فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر (١)، هذا ما جاء في ابن كثير، وجاء في غيره أن الرواحل لم تكن موفورة، بل كان العشر يعتقبون على راحلة واحدة أو بعير وإن لم يكن راحلة.

هذه هي المشقة أو إشارة إليها وذكرها القرآن ليبين كما ذكرنا من قبل، كيف يكون الجهاد، وكيف يكون طلب العزة، ورفع الذلة، وكيف يكون الاطمئنان والقوة، وكيف يكون جسر التعب الذي لَا بد لنيل الحياة العزيزة الكريمة من المرور عليه.

يقول تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) ساعة الحسرة أي وقت الشدة في الجهد، والمال، والحر الشديد،


(١) البداية والنهاية: ج ٦، ص ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>