للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطريق الوصول إلى المكان المنشود، ومحاربة قوم غلاظ شداد هم الذين كانت لهم السطوة.

وقد أشارت الآيات السابقة إلى أن المهاجرين والأنصار كانوا السابقين، وإلى أن الذين تخلفوا، قال سبحانه فيهم ما كان عتبا قاسيا، فيه عقاب لنفوسهم المؤمنة، وبين فيما مضى المخلفين نفاقا وضعفًا في الإيمان.

يقول تعالى: لقد تاب اللَّه تعالى على النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم من أخطائه التي وقع فيها كإذنه للذين استأذنوه من المنافقين، وهو يعلم كذبهم، وكذلك اجتهاده في أمر الأسرى فأخذ فداء الأسرى قبل أن يثخن، ونحو ذلك مما يتعلق بالحروب، والمعاهدات التي تعهد فيها النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، ويبين اللَّه تعالى أنه أخطأ في اجتهاده، وما كان اجتهاده وتخطئة اللَّه تعالى إلا ليعلم الذين يجيئون من بعده أن الذين يجتهدون بعقولهم يخطئون، وهذا سيد البشر، إذا اجتهد فقد يخطئ، فإن الحاكم أيا كان عرضة للخطأ وليس له أن يستبد بفكره، ويقول مقالة فرعون ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.

ولقد تعلق الجهلاء من النصارى، ولو كانوا في مناصب عالية عندهم، وادعوا أنهم من فلاسفة هذا الزمان، أن عيسى عليه السلام أفضل من محمد صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، لأنه لم ينسب إليه ذنب يغفر، ومحمد عليه الصلاة والسلام غفر له كما قال تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. . .)، وقال تعالى: (لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِي وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) فنقول إن ذلك جهل فاحش، أو هوى فاسد، أو هما معا.

أولا - لأن التوبة مقام من مقامات العبودية، والخضوع للذات الألوهية، ولذا وصف الأتقياء بأنهم التوابون، لأن التوبة تنبعث من إحساس بعلو المقام الإلهي، وتفتيش النفس، والبعد عن الغرور، والشعور بالتقصير نحو الذات

<<  <  ج: ص:  >  >>