للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمعنى قام ليس ضد القعود، وإنما معناه القيام على شئون الأنفس، والعلم بها، كما قال تعالى: (. . . هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. . .)، وعبر عن القيام بهذه المعاني؛ لأن القيام يدل على الحركة، والحركة تدل على معاناة الأعمال خيرها وشرها، وهو بالنسبة لله تعالى القيام على شئون هذا الوجود، وهو هنا الأنفس.

وذكر الله تعالى كل نفس للدلالة على عموم تدبيره للأنفس، والعلم بما تفعل من خير وشر، وقوله تعالى: (بِمَا كَسَبَتْ) يتضمن العلم بكل ما تصنع النفوس العاملة، والجزاء على ما تفعل، وفي ذلك بعضها لإنذار العصاة، كما قال تعالى: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. . .).

وقوله تعالى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ) لتمام الموازنة تكون التسوية مقتضية محذوفا مقدرا تقديره كي لَا يستطيع شيئا، ولا يقوم على شيء ولا يضر ولا ينفع.

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ضلالهم في عبادة الأوثان، فقال تعالى:

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ)، وهذه الجملة حالية، والحال أنهم جعلوا لله شركاء يشركونه في العبادة مع أنها لَا تنفع ولا تضر، ومع أن ذاته العلية جلت عن المشاركة، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يسألهم عن حقيقتها، ولكنها من بيان الكنه والحقيقة يتبين بطلان ما يعتقدون قال تعالى: (قُلْ سَمُّوهُمْ) عبر عنهم بضمير ما يفعل على حسب زعمهم وأوهامهم، وإلا فهي حجارة لَا تضر ولا تنفع، ولا تعقل ولا تدرك.

(سَمُّوهُمْ)، أي اذكروا أسماءهم، وأوصافهم، أي شيء لهم من الأسماء والصفات، وإنهم إذا جاءوا إلى ذلك، قالوا: إنها أحجار سميت اللات أو العزى أو هبل، أو نحو ذلك من الصفات التي تجعلها دونهم، فكيف يعبدون ما هي دونهم أو لَا وجود لها في حقيقة أمرها، إلا أن تكون أحجارا، لَا تنطق ولا تضر، ولا تنفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>