للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ)، " أم " للإضراب الانتقالي مع تضمنها معنى الاستفهام الإنكاري التوبيخي، أي أتنبئونه بشيء لَا يعلمه في الأرض، وهو خالقها، والذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض، أي أتنبئونها بأمر لَا وجود له، والمؤدى أنها لَا وجود لها في الأرض فهل تنبئونه بأمر لَا يعلمه في هذه الأرض، وهذا كلام يؤدي لَا محالة إلى أشياء لَا وجود لها في الأرض؛ لأنها لو كان لها أسماء وأوصاف لادعى وجودها، ولو كان لها وجود كآلهة في الأرض لعلمها سبحانه. (أَم بِظَاهِرٍ منَ الْقَوْلِ)، أم للإضراب عن السابق مع دلالتها على الاستفهام التوبيخي الذي ينبههم إلى فساد قولهم، والمعنى أهذا العلم بظاهر من القول الذي لَا يدل على حقيقة فقط، إنما أوهامهم جعلتهم يرددون ظاهرا من القول لَا يستطيعون أن يقولوا فيه إنه شيء له وجود، وصفات اقتضت الألوهية. والحقيقة أنه زين لهم وهم لَا مدلول له جعلهم يكفرون، وهم لَا يشعرون؛ ولذا قال تعالى:

(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَروا مَكْرهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ).

بل للإضراب عن القول، أي أنه ما دام قد ثبت أنه لَا حقيقة لأصنامهم التي يعبدونها، فأوصافهم لَا تثبت ألوهية، بل لَا تثبت وجود لها نفع وضرر، فالأمر أنهم زين لهم ما هم عليه بوهم توهموه، وخيال تخيلوه، وكان ذلك الخيال أساس مكرهم، وتدبيرهم ضد الحق وأهل الإيمان، وبه صدوا عن السبيل، وصدوا غيرهم عن الطريق السوي، وفي قوله تعالى: (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) قراءة بالضم، أي أنه بهذا التزيين الضال صدوا عن الطريق الحق، وهو عبادة الله تعالى وحده لَا شريك له، وهناك قراءة بالفتح، أي صدوا غيرهم عن الحق بالاعتداء، والإيذاء، والاستهزاء بالرسل، ويجب أن يُراد القراءتان أنه لَا مانع من الجمع بينهما، فهم أبعدوا بأوهامهم عن الحق، وأوغلوا في الضلال بإبعاد غيرهم عنه.

وأكد الله سبحانه وتعالى الحكم بالضلال عليهم، فقال عز من قائل: (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)، أي من يحكم الله تعالى بضلاله؛ لأنه سار في طريق

<<  <  ج: ص:  >  >>