للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكافرين جزاء كفرهم يكون بأحد أمرين، إما اجتثاثهم من الأرض، وأخذهم من حيث لَا يحتسبون بريح عاصف أو بخسف يجعل عالي ديارهم سافلها، أو بطرق يحيط بهم فلا يبقي ولا يذر، وحيث لَا يكون من أصلابهم من يعبد الله، وقد أوقع الله تعالى هذا بالذين بعث فيهم الأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نوح وهود، وصالح، وشعيب.

والأمر الثاني: أن يكون ذلك بالمغالبة، يقاتلون، فيقتلون، ويقتلون، والعاقبة للمتقين، وإن ما نزل بمشركي مكة، واليهود كان من الثاني لَا من الأول، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إني لأرجو أن يكون من أصلابهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ".

ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) الاستفهام إنكاري لإنكار الوقوع بمعنى النفي، ونفي النفي إثبات، فالاستفهام الإنكاري داخل على " لم " والمعنى التنبيه على ما هو واقع بهم، والواقع أنهم يرون أن الله أتى الأرض ينقصها من أطرافها عليهم، وإسناد الإتيان للأرض إلى الله تعالى للدلالة على أن الله تعالى مع جيش المسلمين الذي يأتي الأرض التي لهم النفوذ، والسلطان فيها، ويتلاقون مع سكانهم في الشرك الذي يجمعهم و (نَنْقُصُهَا) نأخذها جزءًا فجزءًا من دائرة الكفر، حتى تضيق حوزتهم، وتضيق الدائرة عليهم شيئًا فشيئًا حتى يحيط بهم، ويصلح الرسل من الأرض، وكذلك كان الأمر، فقد كانت الغزوات والسرايا تنزل بالمشركين، وقد ذهبت إلى ما حول مكة وأطراف الجزيرة داعية إلى الله تعالى مجاهدة، فكانت الأرض تنقص من نفوذهم من أطرافها، بسببين:

أولهما: وهو أن دعوة الإسلام تدخل إلى قلوبهم من يسري إليهم ثلة من جنود المسلمين، وفي ذلك نقص من سلطانهم، وخروج من نفوذ مكة وأهلها.

ثانيهما: أنه يقتل من المشركين عدد، وإن لم يكن كثيرًا، إلا أنه يبعدهم عن مكة وأهلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>