والله سبحانه وتعالى العليم الخبير الذي أحاط بكل شيء علما يبين أن الاختبار كبير لَا يثبت فيه من تزلزل إيمانه الشبهات وتطيحه الشكوك؛ ولذلك أكد عظم الاختبار بـ " إن " المخففة من الثقيلة وبالفعل الماضي (كانت) وباللام.
بقى أن نشير إلى أمر لابد من بيانه، وهو قوله تعالى:(إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) وهو: هل كان الله تعالى لَا يعلم من يتبع الرسول من غيره، وهو يحيط يكل شيء علما؟ ويجاب عن ذلك بجوابين:
أولهما - أن علم الله تعالى محيط بكل شيء، وهو يعلمه من قبل أن يقع، ومن بعد وقوعه ويعلمه واقعا، فذلك العلم لَا غيره هو الذي يظهر به الفعل ويستبين، فالمعنى ليظهر من يتبع ممن لَا يتبع، وليتبين الآثم من المطيع ومن يستمر على اتباعه ومن ينقلب على عقبيه.
والثاني - أن الضمير في (لِنَعْلَمَ) ليس لله وحده، ولكنه للجماعة المؤمنة والنبي - صلى الله عليه وسلم - مع الله تعالى، وكون الله معهم لَا يستلزم أنه لَا يعلم، إنما الذي لا يعلم هم المؤمنون، فالاختبار وظهور الطائع المتبع، والعاصي المرتد على عقبيه إنما هو للمؤمنين وهم داخلون في قوله تعالى:(لِنَعْلَمَ). والتعبير عن الأعلى، ويقصد من دونه كثير في اللغة العربية فإذا قال رئيس دولة استولينا على كذا، فإن الاستيلاء الفعلي يكون من الجند لَا منه، وكأن يقول رئيس دولة صادقا أو غير صادق نظمنا الإدارة، وأحكمنا العمل، والذي عمل ونظم غيره.
وقد عبر سبحانه وتعالى عن الذين لم يحسنوا البلاء وكشفهم الاختبار فارتدوا أو أعلنوا كفرهم، وما كانوا مؤمنين بقوله تعالى:(مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) والعقب هو مؤخر القدم، والمرتد على عقبيه، هو الخارج عن الإسلام، وهذا التعبير (عَلَى عَقِبَيْهِ) استعارة تمثيلية، فقد شبه الخارج عن الإسلام الذي دخل فيه أو أوشك أن يدخل الإيمان قلبه بحال المرتد إلى الوراء سائرا على عقبيه، سيرا مضطربا غير متماسك، فقد سجل عليه أنه رجع إلى الوراء بعد أن تقدم إلى الأمام، وأن رجوعه مضطرب بغير خطوات تسير بل على الأعقاب ينقلب، وهذا التشبيه على أساس أن الانقلاب بمعنى الرجوع إلى الوراء، بعد أن سار بضع خطوات إلى الأمام.