دون البرد لأنهم لَا يحتاجون إلى اتفاء البرد، وعندي أن البلاد التي جوها قارِّي كبلاد العرب يكون بردها شديدا قارسًا.
والواقع أن الكلام - كله في اتقاء الحر، فذكر الظلال والبيوت والأكنان كل هذا في سياق اتقاء الحر فكان المناسب أن يذكر في مزايا السرابيل أن تقي من الحر.
والنوع الثاني من السرابيل وهو ما يتقى به البأس، وهو دروع الحرب، إذ البأس هو الحرب، كما في قوله:(. . . وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأسِ. . .)، وأضاف سبحانه وتعالى الباس إليهم، لأنهم في الجاهلية هم الذين كانوا يثيرونها حروبا شعواء، تدعو إليها العصبية الجاهلية، وتدفع الحمية غير المدركة العاقلة كحرب البسوس، وعبس وذبيان، وغيرهما مما كانوا يثيرونه من حروب، فلم تكن حروبا عادلة؛ ولذا أضيفت إليهم.
وإن هذه النعم كلها بتسخير هذه الأمور لهم، وتهيئتهم بالفطرة لها، وإن نعم اللَّه تعالى لَا تخص، وختم اللَّه تعالى الآية بقوله تعالت حكمته:(كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)، أي كذلك التي هيأ سبحانه وتعالى لكم ومكنكم، وهداكم بفطرتكم إليه من جعل بيوتكم سكنا ومطمئنا، وعن اتخاذكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم وإقامتكم، ومن اتخاذكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها، أثاثا يكون زينة ومتعة، ومن اتخاذكم الظلال مما خلق، ومن جعل البيوت ومن اتخاذكم السرابيل والدروع.
كذلك الذي هيأ لكم تكون نعمه الكلية عليكم دائما (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)، أي تسلمون وجوهكم للَّه تعالى، وتتركون عبادة الأوثان لهذه النعم المتوالية عليكم، وأفرد سبحانه النعمة، وهي متعددة لأن المفرد المضاف يعم، ولأنها واحدة باعتبار مصدرها، وهو الله سبحانه وتعالى.