للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢).

فقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فيه إشارة إلى أن فرضية الجهاد مرفوعة عن أصحاب المعاذير وقت عذرهم، وهي في الوقت ذاته قاعدة عامة في معاني الشريعة الإسلامية، والحرج أصله الضيق بين الأشياء المجتمعة فهو الضيق في صدور الناس وفي تكليفاتهم.

والشريعة الإسلامية جاءت لنفع الناس وجلب الخير لهم، " وخير الدين أيسره " (١)، كما روي عنه - صلى الله عليه وسلم -، وقد روت أم المؤمنين عائشة عن أعمال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، ذلك أن الشاق يصعِّب على المؤمن المداومة، والمداومة تربي في النفس عادة الطاعة، وتكون لها في النفس مجار تنير الخير، ولذلك روى في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " أحب الأعمال أدومها وإن قلَّ "، وروي عنه أنه قال: " إن الله يحب الديمة من الأفعال "، ونهى عن التشدد في الدين، وقال: " لَا تشددوا، ولكن سددوا وقاربوا "، وقد وصل الله تعالى شيريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - بشريعة إبراهيم أبي العرب لتقريبها إليهم، فقال:

(مِّلَّةَ أَبِيكمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا)، (مِّلَّةَ) منصوب على الاختصاص، أي أعني ملة أبيكم إبراهيم - عليه السلام -، وسمي أبًا للعرب، وإن كان أبا لبعضهم؛ وذلك لأن العرب جميعا كانوا يتفاخرون بالانتساب إليه، ولأنه باني البيت الحرام الذي كان مناط عزة العرب أجمعين، ولأنه أب بالفعل لقريش الذين ابتدأت الدعوة المحمدية فيهم، وكان ذكر هذه الدعوة الكريمة تقريبا وتأليفا، وإدناء من الإسلام، (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسلِمِينَ مِن قَبْلُ)، الإشارة إلى القرآن، وسماهم المسلمين من قبل في مثل ما حكاه اللَّه تعالى من دعاء إبراهيم - عليه السلام -: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا


(١) رواه الطبراني في الكبير، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، ورجاله رجال الصحيح، ولفظه: " خَيْرُ دِينِكُمْ أيْسَرَه ". مجمع الزوائد (٧٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>