للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " (١) الباءة تكاليف الزواج التي يمكنه أن يبوء بها في هذه العقدة المباركة، والصوم يتضمن معاني روحانية والتجرد من الملاذ والأهواء، ويتضمن الصبو وضبط النفس، وقرع الشهوات، والوجاء قطع الشهوات، ودفع سيطرتها، فتكون الشهوة أمة ذلولا، ولا تكون سيدا مطاعا، تخضع له النفوس وتتطامن، وتخنع.

وإن الاستعفاف يستمر حتى يغنيهم الله من فضله، فهو يستمر ضابطا نفسه مسيطرا عليها، حتى يغنيه الله تعالى من فضله أي بفضله ورحمته، وهو ذو الفضل العظيم.

وإن هذا الاستعفاف للأحرار من الرجال الذين لَا يملكون باءة النكاح، فما حال الرجال العبيد الذين لَا يملكون أسباب النكاح، ولهم فيه رغبة، ولا يزوجهم مواليهم، فما الذي يستطيعونه، شرع الله تعالى لهم المكاتبة وطالبهم بأدائها، وأمر الموالي أن يجيبوهم، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا).

(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ)، كلام مستأنف له صلة بالكلام السابق، و (يَبْتَغُونَ) يطلبون راغبين متشددين في الطلب، والكتاب مصدر كاتَب يكاتب؛ لأن مصدر فاعل، فِعَال أو مُفاعلة كقتال ومقاتلة، وعناد ومعاندة، فمعنى الكتاب المكاتبة، أي إن طلبوا المكاتبة (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِم خَيْرًا) والفاء هي كالفاء الواقعة في جواب الشرط، لأن الاسم الموصول، (وَالَّذِينَ يبْتَغُونَ الْكِتَابَ) في معنى فعل الشرط، والمكاتية اتفاق بين المالك والمملوك على أن يتركه حتى يحصل على قدر من المال يتفقان عليه، فإن أنفذه وأداه عتق، وقد شرع الله ذلك العقد تسهيلا لفك الرقاب من غير ضياع حق للمالك، وتعليق الأمر بالمكاتبة على قوله: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) والخير هنا الأمانة والاستقامة والقدرة على السعي للحصول على مال المكاتبة، وقال


(١) رواه البخاري: الصوم - الصوم لمن خاف على نفسه العزبة (١٧٧٢)، ومسلم: النكاح - استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد (٢٤٨٥). من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>