للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعامل بالقصاص والمساواة والعدل؛ فما انتهكوه من حرمات في حق غيرهم. يقتص بمثله منهم ولا تحترم فيه حرمة لم يحترموا مثلها في غيرهم.

وذلك قانون شامل يعم ولا يخص؛ ينظم العلاقات الدولية، كما ينظم التعامل في المجتمع الإسلامي؛ فمن اعتدى على غيره في ماله، أو نفسه أو بعضه، أباح الحاكم من نفسه وماله ما أباحه لنفسه من نفس غيره وماله؛ والمعتدي على المسلمين من الدول يعامل بقدر اعتدائه، وبطريقة اعتدائه، وفي زمان اعتدائه ومكانه؛ فإن انتهك حرمة الزمان فليس له أن يستمسك بحرمتها، ومن انتهك حرمة المكان قتل فيه، ومن اعتدى بنوع من الاعتداء عوقب بمثله إلا أن يكون أمرًا لَا يحله شرع الله، ولا تحله الطبائع السليمة؛ كالمثلة، وقتل من لَا يقاتل أبدًا - على ما سنبين إن شاء الله تعالى.

وإن قضية (وَالْحُرمَات قِصَاصٌ) هي المعاملة العادلة التي تنظم الاجتماع الإنساني في دوله وآحاده؛ وليس من الفضيلة في شيء أن تغل يد الفضائل عن حرمات خصمها في الوقت الذي استباح المبطل كل الحرمات؛ وإن ذلك ليس له معنى إلا نصر الرذيلة على الفضيلة، وخضد شوكة الحق ليأكله الباطل؛ وإن التسامح في هذه الحال هو شر ذرائع الرذائل، والقوة والقصاص في هذه الحال هو حماية الفضيلة وفل شوكة الرذيلة. . وهكذا فضائل الإسلام دائما فضائل لها شوكة وقوة، ولا تعد التسامح الذي يمكن للباطل من أن يتغلب على الحق إلا الاستسلام والذلة.

(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) هذا تخصيص بعد تعميم، أو تفريع بعد ذكر القاعدة الكلية، بذكر بعض القواعد الجزئية بالإضافة إليها، أو الخاصة بالنسبة لها؛ لأن قوله تعالى: (وَالْحُرُمَات قِصَاصٌ) قضية عامة، كما بينا، تعم معاملة الدول ومعاملة الآحاد، وتنظم الاجتماع الإنساني وتنظيم الاجتماع في الأمة الواحدة؛ وهي قضية الفضيلة الإنسانية الموجبة التي تحمي نفسها من الرذيلة بالقصاص منها أيا كانت صورة الرذيلة، وأيا كان موضوعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>