للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأيديكم وإرادتكم إلى التهلكة. فلا تكون زائدة. وعلى أن الباء زائدة في الإعراب يكون المراد بالأيدي الأنفس، من قبيل إطلاق اسم الجزء وإرادة الكل، والمعنى: لا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة. والمؤدى في التخريجين واحد.

والنهي عن الإلقاء في التهلكة بعد الأمر بالإنفاق وبعد شئون القتال، يعين المعنى بأنه فيما يتعلق بشئون الدفاع عن الدولة والذود عن حياضها، وحفظ كيانها، أو على الأقل يتجه نحو هذه الغاية أو ذلك المرمى أولا وبالذات؛ ولذلك فسر الأكثرون الإلقاء إلى التهلكة بأنه الكف عن القتال والتقاعد عنه فتكون الأمة نهبا للمغيرين بسبب ذلك، والكف عن الاستعداد للحرب بإعداد العدة وأخذ الأهبة كما قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ. . .)، وبقبض الأغنياء أيديهم عن إعطاء حق الفقراء؛ فيكون بأس الأمة بينها شديدا، يسهل إغارة المغيرين عليها؛ ولذلك روى ابن عباس في تفسير هذه الآية وهو ترجمان القرآن ما نصه: لَا تمسكوا عن الصدقة فتهلكوا.

هذا هو معنى الآية على ما عليه الأكثرون وهو الذي يتفق مع السياق، ومع المروى في جملته؛ فقد روى البخاري في سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في النفقة، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم قال: " غزونا القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه (١)! لَا إله إلا الله: يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: " سبحان الله أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه، وأظهر دينه قلنا هلم نقيم في أموالنا، فأنزل الله عز وجل:


(١) بمعنى: اكفف.

<<  <  ج: ص:  >  >>