للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن وقع من المشركين، أو المحاربين بشكل عام مثله؛ ولقد أخذ بعد ذلك يبين ما هو عدة الحرب، وقوة الجماعة الإسلامية، ورباط بنيانها، وهو المال، فأمر الأغنياء بإنفاق المال في سبيل الله أي في كل ما هو خير وبر، فإن كل خير وطاعة يعد سبيل الله سبحانه، وإنفاق المال على ذلك هو قوة الأمة في سلمها، وقوة السلم هي عدة الحرب؛ وإن من الإنفاق في سبيل الله الإنفاق في الحروب، وإعداد العتاد الحربي، ولكن ذلك وإن كان قوة الحرب المباشرة، لَا ينفي أن قوة الحروب تعتمد على قوة الوحدة في الأمة، وقوة الصلة بين ضعفائها وأقويائها، وأغنيائها وفقرائها، وذلك يكون بسد حاجة المعوزين، وإعطاء المحرومين، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أبغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " (١).

(وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) التهلكة بضم اللام: مصدر بمعنى الهلاك، كما قال أبو عبيدة والزجاج، وادعى بعض علماء اللغة أنه لم يوجد مصدر على وزن " تفعلة " إلا هذا، ولكن روي عن سيبويه كلمتان أخريان هما تنصرة وتسترة، بمعنى نصر وستر. وقد جوز الزمخشري أن يكون أصلها " تهلكة " قلبت الكسرة ضمة، ككسرة الجوار قد تقلب ضمة فيقال: " الجُوار "، ومهما يكن فإن " التهلكة " إذا كانت بمعنى " الهلاك " في المال، فلابد أن يكون ئمة فرق دقيق اقتضى العدول من لفظ الهلاك إلى لفظ التهلكة كما هو الشأن في التخير من الألفاظ المترادفة في الكلام البليغ، ولو أن لنا أن نتلمس فرقا فهو أن نقول: إن التهلكة هلاك خاص، وهو الذي يباشر سببه من ينزلى به الهلاك، وربما لَا ينزل دفعة واحدة، بل يسرى شيئًا فشيئا، ولكن نتيجته تكون مؤكدة، أما لفظ الهلاك فهو يشمل ما ينزل دفعة واحدة وما لَا يكون للإنسان فيه إرادة وغيرهما.

والباء في قوله سبحانه (وَلا تُلْقُوا بِأيْديكُمْ) قيل زائدة في الإعراب لتقوية معنى الإلقاء المنهي عنه، فيقوى النهي؛ وقيل المعنى: لَا تلقوا أنفسكم مجذوبة


(١) عَنْ أبِي الدَّرْدَاء قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرونَ بِضُعَفَائِكمْ " [رواه الترمذي: الجهَاد - ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين (١٦٢٤) وأحمد: باقي مسند الأنصار (٢٠٧٣٨) وبنحوه رواه ابن جاه والنسائي]. ابغوني بهمزة الوصل والقطع بمعنى الطلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>