للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتكون في غير العدل؛ وقد يسايرون خصومهم في أذاهم فيقتلون الذراري أو الشيوخ أو الضعاف أو الرهبان والعباد في الصوامع كما يفعل خصومهم، أو يحرقون الزرع ويقتلون الضرع كما يعيث غيرهم في الأرض فسادا؛ فأمر الله سبحانه بتقوى الله في الحرب بأن يراقبوه وحده، ويخافوه وحده، ويلاحظوا التقوى في قتالهم؛ فإنه ينبغي أن تكون هي الوصف الملازم لهم في حربهم وسلمهم؛ فإن حولتهم الحرب إلى أسود كواسر، فليعلموا أن القلوب الإنسانية الدينية التي تخشى الله ما زالت في إهابها، أو يجب أن تكون كذلك دائما.

ولقد نهى الإسلام عن قتل العسفاء وهم العمال الذين لَا يشتغلون بحرب، والذرية؛ كما نهى عن قتل الرهبان الملازمين لمعابدهم، ولقد قال عمر بن الخطاب: اتقوا الله في الذرية والفلاحين الذين لَا ينصبون لكم الحرب. وقال أبو بكر في الرهبان لقائد الجيش: وستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذروهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له. ولقد خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد أن يقتل الذرية والضعاف فقال لبعض أصحابه: " الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا (١).

ولكن قد يقول قائل إن أعداء الإسلام إن قتلوا الذرية والضعاف والشيوخ الذين لَا يعينون في حرب فإن العدل معاملتهم بالمثل، وإن ذلك يكون أنكى بهم، والنكاية الشديدة قد تدفعهم إلى الخذلان، أو على الأقل تمنعهم من قتل من لا يقاتلون؛ ونقول إن الإسلام أمر بقتل من يقاتل فقط، (وَلا تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أُخْرَى. . .)، وما كان الضعفاء ليقاتلوا، فما يسوغ في حكم أقوى أن يقتلوا؛ وإن تقوى الله في الحروب تقوى القلوب، والرأفة بعباد الله تدني نصر الله؛ ولذلك قال سبحانه في ختام الآية: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقينَ) فاستشعروا التقوى في حربكم، وادرعوا بها في قتالكم، فلا تعتدوا في القتال، ولا تقاتلوا من لم يرفع سيفا، فإن الله مع المتقين بالنصر والتأييد دائمًا؛ والله ولي الصابرين.

(وَأَنفقُوا فِي سَبيلِ اللَّه) بين سبحانه مشروعية القتال عند الاعتداء، ورد الاعتداء بمثلة قدرا وزمَانا ومكَانا مع ملاحظة الدين وعدم الاسترسال في أمر يخالفه


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>