للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قاهر، والكلام هنا في الترخيص من بعض المحرمات من غير إنهاء الإحرام دفعًا للأذى من غير قهر.

والكلام السابق كان في الأمور التي تمنع من الوصول إلى البيت الحرام؛ أما الكلام هنا فهو قد يقع قبل الوصول إلى البيت الحرام أو بعده.

والترخيص في الحلق له فدية، وهي صوم، أو صدقة، أو نسك. والفدية هي العوض عن شيء عظيم جليل نفيس؛ ولا شك أن محرمات الحج والعمرة أمور لها جلالها وخطرها؛ لأنها مهذبات الروح والقلب، فهي نفيسة جليلة، وعبر سبحانه بالفدية ولم يعبر بكفارة؛ لأنه لَا ذنب ولا اعتداء، حتى يكون التكفير من الإثم. والنسك جمع نسيكة وهي الذبيحة، وتكون من النَّعَم: الإبل والبقر والغنم، ويستيسر ولا يستصعب كما هو الشأن في أمور الإسلام.

ولم يبين القرآن عدد أيام الصيام، ولا عدد المساكين الذين يطعمهم، ولا مقدار ما يتصدق به، كما لم يبين أهذه الأنواع الثلاثة في مرتبة واحدة أيها اختار كان فيه غناء، ولو كان قادرًا على أعلاها.

وإن السنة بيان القرآن قد فسرت ذلك وبينته، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لكعب ابن عُجْرة وقد رأى الهوام تتساقط من رأسه: (لعلك آذاك هوامك) قال: نعم يا رسول الله قال: " احلق وصم ثلاثة أيام، أو تصدق بفَرْق على ستة مساكين، أو انسك شاة " (١).

وفى رواية أخرى أنه قال: (احلق وأهد هديا)، فقال: ما أجد هديا، قال: أفأطعم ستة مساكين)، فقال: ما أجد، فقال: " صم ثلاثة أيام " (٢).


(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري: الحج - قول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى. . .) أالبقرة! (١٦٨٦)، ومسلم - جواز الحلق للمحرم (٢٠٨٣) وقد رواه الأئمة بنحو من ذلك.
(٢) عن كعب بن عجرة الأنصاري أنه حدنه أنه كان أهل في ذي القعدة وأنه قمل رأسه فأتى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوقد تحت قدر له فقال له: " كأنك تؤذيك هوام رأسك؟ " قال: أجل، فال: احلق وأهد هديا، فقال: ما أجد هديا قال: " فأطعم ستة مساكين " فقال ما أجد فقال: " صم ثلاثة أيام ". [التمهيد ج ٢ ص ٢٣٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>